الاثنين 23 سبتمبر 2024
خارج الحدود

لا تحل أزمة بوتفليقة بضرب معارضة الداخل في الجزائر بالمعارضين العائدين من المنفى

لا تحل أزمة بوتفليقة بضرب معارضة الداخل  في الجزائر بالمعارضين العائدين من المنفى

يحاول الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة والمحيطون به تأكيد قدرتهم على الخروج من الأزمة الخانقة التي تعيشها الجزائر، باللجوء إلى خطوات مختلفة مثل تعديل الدستور وتحديد عدد الولايات الرئاسية باثنتين، وآخرها فتح الأبواب أمام عودة المعارضة الموجودة بالخارج.

وهي خطوة تندرج في سياق الإعداد لمرحلة ما بعد بوتفليقة من جهة، وإظهار الفريق الحاكم الجديد أنه ينوي إقامة دولة مدنية. وهذا الفريق يضم الحلقة الضيقة المحيطة حاليا بالرئيس الجزائري والتي يقودها شقيقه سعيد بوتفليقة. ويقلل متابعون للشأن الجزائري من جدوى الرهان على المعارضين الذين قضوا سنوات طويلة خارج البلاد، معتبرين أن هؤلاء لن يكون لهم أي تأثير على الواقع الذي تعيشه الجزائر الآن بحكم غيابهم الطويل، فضلا عن إنقاذ السلطات من أزمتها الخانقة.

وأشاروا إلى أن السلطات الجزائرية تريد أن تحدث صراعا بين معارضة الداخل والعائدين من المنفى بغية إضعاف المعارضة التي قويت شوكتها في السنوات الأخيرة، محذرين من رهان بوتفليقة والمحيطين به على قيادات من جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة سبق لهم أن قادوا حملات إعلامية كبيرة على الجزائر وهددوا مصالحها، فضلا عن الشكوك حول علاقاتهم بالدول التي يقيمون فيها.

لكن تناقض السلطات لا يقف عند مغازلة الإسلاميين العائدين من الخارج، فهي أيضا تسعى إلى مغازلة العلمانيين بالحديث عن بناء دولة مدنية لا دور للعسكر فيها، وسط شكوك في أن هذه الوعود لا قيمة لها.

وتواصل السلطات إعطاء الانطباع بالتوجه نحو تأكيد مدنية الدولة، وإنهاء نفوذ جهاز المخابرات، الذي تحول على مر العقدين الماضيين، إلى دولة موازية تتغلغل في مفاصل مختلف المؤسسات، وذلك عبر السماح لعدد من المعارضين السياسيين والمنشقين العسكريين، بالعودة إلى البلاد بعد سنوات من المنفى. وتستعد شخصيات سياسية وضباط سابقون كانوا قد انشقوا عن المؤسسة العسكرية، للعودة إلى الجزائر بعد سنوات من المنفى في عدد من العواصم الأوروبية، في إطار مسعى من السلطة لطي صفحة التجاذب بين هؤلاء وبين الأجهزة الأمنية، وإضفاء الطابع المدني على الدولة، بعد سلسلة التغييرات التي طالت المؤسستين العسكرية والأمنية، وأفضت إلى قرار بوتفليقة بحل جهاز الاستخبارات نهاية يناير الماضي. وكانن على رأس العائدين، رئيس الحكومة الأسبق عبدالحميد براهيمي، الذي عاد الأحد، من منفاه الاختياري بلندن بعد 25 عاما قضاها في المعارضة.

وينتظر أن يلتحق به خلال الأيام القليلة المقبلة، الضابط السابق المقيم في لندن أحمد شوشان، الذي يستعد هو الآخر للعودة بمجرد تسوية وضعه. وقالت مصادر إن المسألة تتعلق بعدد كبير من الشخصيات السياسية والضباط السابقين المقيمين في لندن وباريس وبون وواشنطن والدوحة، وأن الأمر يشمل الجميع ومن مختلف التيارات السياسية، بمن فيهم قادة من جبهة الإنقاذ المحظورة، كعباسي مدني وأنور هدام وأحمد الزاوي.

وشكلت عودة رئيس الحكومة الأسبق عبدالحميد براهيمي، مؤشرا على مسعى السلطة من أجل التهدئة مع معارضي الخارج، وعلى رغبتها في إنهاء نفوذ الاستخبارات، والتضييق الممارس من طرفها طيلة العقود الماضية، ضد المعارضين السياسيين، والضباط المنشقين عن المؤسسة العسكرية.

ويعد براهيمي واحدا من ضباط جيش التحرير، وهو دكتور في الاقتصاد، شغل عدة مناصب سياسية، أبرزها رئيس حكومة في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد من 1985 إلى 1989، وعرف بكشفه لفضيحة فساد بقيمة 26 مليار دولار في الثمانينات. وذكر حينها أن الجزائر فقدت حوالي 26 مليار دولار في شكل رشاوى وعمولات وفساد مالي وسياسي، وهو ما أثار حينها جدلا واسعا في الساحة المحلية، ورفع من حدة الأصوات الداعية إلى الإصلاح والحساب، إلا أن القضية دخلت أدراج النسيان بعد ذلك. وفيما التزم براهيمي الصمت إلى حد الآن، فإنه يستبعد أن يعود إلى الواجهة السياسية، وهو يدرك بأن السلطة تريد توظيف هذه العودة لتبرير خيارها بحل الاستخبارات و”تمدين الدولة” الذي شرعت في الترويج له خلال الأشهر الأخيرة.

ويعتبر براهيمي أحد المناوئين للخط السياسي، الذي تبناه آنذاك ما يعرف بـ”صقور الجيش”، ويعرف عنه تصريحه الشهير “ليس بيني وبين بوتفليقة إلا الخير، لكن هو مقيد”، في إشارة إلى نفوذ الضباط الموالين للتوجه الفرنسي في البلاد. وكانت السلطة قد حاولت خلال السنوات الماضية، استقطاب عدد من قيادات جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة، عبر ميثاق السلم والمصالحة، حيث سمحت بعودة بعضهم كرابح كبير من ألمانيا وأحمد الزاوي من نيوزيلندا وأنور هدام من الولايات المتحدة الأميركية، لكن تلك الشخصيات وأخرى لا تزال مترددة بسبب مخاوفها من عرقلة المسعى من طرف جهاز الاستخبارات. 

 

العرب اللندنية