السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

ياسين كمالي:رسالة هادئة إلى أمازيغي متطرف

ياسين كمالي:رسالة هادئة إلى أمازيغي متطرف

أريد أن أخاطب بهدوء فريقا من الإخوة الأمازيغ، لا أقصد الأمازيغ المعتدلين المتمسكين بالهوية المركبة التي توحدهم مع باقي المغاربة ، و إنما أوجه كلامي إلى المتطرفين منهم ، أتباع مليكة مزان و منير كجي .

هؤلاء الذين بدا لهم الوجود الإسلامي في المغرب احتلالا و استيطانا غريبا ، رغم أن القبائل الأمازيغية كانت فاعلا أساسيا في تشكيل أول دولة إسلامية في المغرب ، إبان حكم الأدارسة ، و رغم أن طارق بن زياد الذي لعب دورا محوريا في ضم الأندلس كان أمازيغيا أبا عن جد ، و رغم أن يوسف بن تاشفين كان أيضا أمازيغيا ، و رغم أن الملك الحالي جاء إلى الدنيا من بطن أمازيغية ... فالأمازيغ لم يكونوا يوما خارج مركز الأحداث كفاعلين أساسيين .

حتى لهجاتهم و تقاليدهم ظلت حية و لم يجبرهم أحد على تركها . و لم يتعرضوا لما تعرض له الهنود الحمر من إبادة ثقافية و عرقية ، و الذي وقع هو أن اللغة العربية باعتبارها لغة الإسلام أصبحت مهيمنة على الحياة الرسمية ، لم يحدث ذلك بالإرغام ، و لكن لأن منطق الأشياء يقتضي لزوما تفوق الأصلح ، و كانت اللغة العربية أكثر تطورا من الأمازيغية في تلك العصور . لو كانت اللهجات الأمازيغية تملك تاريخا ثريا و قدرة على المنافسة لكان واقعها مثل واقع اللغة الفارسية التي عرفت كيف تحافظ على مكانتها داخل الدول الإسلامية المتعاقبة .

في سياق متصل ، احتفل المغاربة مؤخرا بالسنة الأمازيغية ، و التقويم الأمازيغي وصل إلى قرنه الثلاثين حسب ما يزعمون ، و هذا يعني أن الوجود الأمازيغي في شمال إفريقيا قد تجاوز ثلاثين قرنا في غالب الظن ، و لعلها فترة طويلة جدا ، و تكفي لخلق عشرات الإمبراطوريات و الممالك ، لكن ذلك لم يقع .

 و مع ذلك فإن بعض المتطرفين يزعمون أن الوجود الإسلامي العربي هو الذي كبح الأمازيغ ومنعهم من الاستقلال بهويتهم الخاصة في كيان سياسي مستقل . أقول لهؤلاء ، لنسلم جدلا أن المسلمين قد منعوا الأمازيغ من التوحد في كيان مستقل ، فماذا عن الفترة التي سبقت الإسلام ؟ لماذا لم يستطع الأمازيغ أن يفرضوا وجودهم و يصنعوا دولة عظيمة كالرومانية أو الفارسية ؟ مع أن الرومان جاءوا بعد قرون طويلة من بداية التقويم الأمازيغي و أسسوا إمبراطورية عظيمة ، و تركوا تراثا معماريا و قانونيا و أدبيا و فلسفيا .

في المقابل ماذا ترك لنا الأجداد الأمازيغ عبر ثلاثين قرنا ؟ هل أسسوا إمبراطورية عظيمة ؟ هل تركوا لنا روائع أدبية و فلسفية و معمارية ؟ بل كانوا خاضعين في أغلب الأوقات لهيمنة الكيانات السياسية و الثقافية الكبيرة .

لسوء الحظ ، لم يستطع الأمازيغ الطيبون أن يصنعوا عبر تاريخهم الطويل شيئا مؤثرا بشكل يدعوا للانبهار ، لم يؤسسوا دولة مستقلة لها وزنها في التاريخ كالدولة الرومانية أو الفارسية أو العثمانية . و الآن يريد المتطرفون إنشاء كيان مصطنع ، ليس اعتمادا على قدراتهم الذاتية ، و لكن بدعم من قوى خارجية ، و لذلك سيكون هذا الكيان المفروض بدعم من الخارج كيانا شبيها بالكيان العبري  .

ختاما أقول : من الواضح أن الأمازيغ قد ذابوا اختياريا في هوية مغربية هجينة ، تضم تأثيرات أمازيغية عربية إسلامية إفريقية أوروبية . و لا يمكن بحال من الأحوال أن ينفصلوا عن هذه الهوية المركبة دون أن يدخلوا في صراعات عنيفة مع بعضهم ، فأغلب الأمازيغ راضون بالهوية المركبة التي تجمعهم بالعرب و الأفارقة ، أما المتطرفون منهم فيخدمون أجندات خارجية لتفتيت شمال إفريقيا و بسط النفوذ الأمريكي الإسرائيلي .