هناك لاعبون تصفق لهم الجماهير.
وهناك لاعبون يحاكمهم الصمت.
حمد الله عرف هذا الصمت جيدًا.
صمتٌ ثقيل، يكاد يكون عدائيًا، وُلد من أخطاء كانت أوضح من اللازم، من تصرفات أُسيء فهمها، ومن كلمات قيلت في غير وقتها.
في المدرجات، ذاكرة كرة القدم قاسية؛ لا تنسى شيئًا، ونادرًا ما تسامح.
الملعب، الذي كان يومًا حليفًا، تحوّل إلى محكمة.
انصرفت النظرات.
وحلّت صافرات الاستهجان محلّ الأهازيج.
واسم حمد الله، الذي كان يُهتف به عاليًا، صار يُتداول همسًا، بحذر وريبة.
الجميع تقريبًا طوى الصفحة.
الجميع… إلا رجلًا واحدًا.
طارق السكتيوي لم يكن ينظر إلى الضجيج. كان ينظر إلى ما وراءه.
كان يرى في التداريب الصامتة، في الركض دون كرة، في العيون المنكسرة لكنها المليئة بالعزم. كان يرى ما لم يعد الجمهور يريد أن يراه: لاعبًا لا يزال واقفًا، موهبة لم تنطفئ، رجلًا ينتظر يدًا تمتد إليه لا حكمًا بالإدانة.
ثقة المدرب، أحيانًا، أقوى من مدرجات بأكملها.
منح السكتيوي ثقته دون خطابات، دون استعراض. أبقى حمد الله في التشكيلة الأساسية. أساسيًّا. مرة أخرى. رغم العاصفة، ورغم الصافرات. كان ذلك فعل شجاعة.
كرة القدم، مثل الحياة، تعشق المفارقات. وغالبًا ما يولد الإنسان من جديد في اللحظة التي لا ينتظره فيها أحد.
حمد الله سجّل.
ثم سجّل مرة أخرى.
ثم مرر الكرة مرات
لم تكن أهدافًا تُضاف إلى لوحة النتائج فقط، بل كانت أجوبة.
كرات في الشباك تشبه إرسال حقيقة إلى العالم: أنا ما زلت هنا.
كل هدف كان يتجاوز الخطأ الماضي، لا ينكره، بل يسمو فوقه.
وحوله، زأرت أسود المغرب.
فريق متماسك، منضبط، تحركه روح أكبر من مجرد كأس: روح الكرامة الوطنية المستعادة.
مباراة بعد أخرى، تقدموا بثبات، دون غرور، بجدية الفرق التي تعرف حجم الرسالة التي تحملها.
وفي الجهة المقابلة، قاوم منتخب المملكة الأردنية الهاشمية بشرف.
فريق مقاتل، منظم، تقوده خبرة وحكمة مدربه المغربي، السيد السلامي.
خصم نبيل، لم يتنازل، وأجبر المغرب على الارتقاء إلى مستوى الحدث.
لم تكن المباراة النهائية هدية.
كانت معركة.
وعندما أطلق الحكم صافرة النهاية، حبست الرباط أنفاسها.ثم انفجرت فرحًا.
كأس العرب لكرة القدم 2025 عادت إلى الوطن. إلى عاصمة المملكة المغربية. ليس فقط ككأس، بل كحكاية.
حكاية لاعب سقط، فنهض بثقة مدرب. حكاية مدرب آمن حين كان الإقصاء أسهل. حكاية كرة قدم تذكّرنا بأن العقاب لا يعني دائمًا الإبعاد، وأن الثقة قادرة على تحويل الخطأ إلى نصر.
حمد الله لم يسجّل أهدافًا فقط.
لقد سجّل لحظة في التاريخ.
وفي ضجيج الرباط المفعم بالفرح، تذكّر المغرب حقيقة بسيطة، كادت تُنسى: رجل يُدعَم في اللحظة المناسبة، قادر على تغيير مصير فريق… وأحيانًا مصير وطن بأكمله.
أنور الشرقاوي
فاعل جمعوي
فاعل جمعوي
