الاثنين 7 أكتوبر 2024
في الصميم

بين المنطق و«استحمار» الشعب نموذج اليابان أمام العلمي وبنكيران!

بين المنطق و«استحمار» الشعب نموذج اليابان أمام العلمي وبنكيران!

يقول اليابانيون: «العمل المجاني يكلف الخاضعين للتكليف الضريبي الشيء الكثير». وتأسيسا على هذه المقولة يرفض اليابانيون من وزير أو مسؤول أن «يتطوع» في «سبيل الله» للقيام بمهامه العمومية بدون أجر أو تسلم التعويضات المستحقة  له بقانون.

فالتطوع له مجال واحد، وهو المجتمع، ومن أراد أن يتطوع «فأرض المجتمع واسعة» لمساعدة التلاميذ في دروس التقوية أو تنشيط الأحياء الشعبية أو تأطير السجناء أو تحسيس الشباب بمخاطر المخدرات أو مساعدة الخريجين لنزع الدهشة من عقولهم لتشجيعهم على ركوب مخاطر التشغيل الذاتي...إلخ.

اليابانيون لما رفضوا العمل المجاني في المناصب الحكومية والمسؤوليات العمومية فلكونهم اقتنعوا، عبر التجارب التاريخية، بأن المسؤول الحكومي الذي يرفض تقاضي الأجرة «لا يعمل لوجه الله خالصا»، بل يستغل موقعه لينعم بمكاسب وامتيازات بفعل المنصب المسنود له. وهي الامتيازات التي تفوق بألف مرة ما يمكن أن يدره عليه منصبه الحكومي من موارد مالية.

تأسيسا على هذه التجربة اليابانية نستحضر قضية الوزير مولاي حفيظ العلمي الذي يروج أنه ميسور الحال وقبل التضحية بمشاريعه في القطاع الخاص ليتولى تدبير شؤون المغاربة في حكومة بنكيران بدون تعويض وبدون أجرة أو تقاعد، والحال أن صفقة واحدة من صفقات القرن الممكن إبرامها بين الدولة وشركة الوزير قد تدر عليه أرقام معاملات بالملايير. ولنا في قضية التأمين الفلاحي خير دليل على ذلك.

إذ في الوقت الذي لم تهدأ قضية المصحات الخاصة والزحف على قطاع الصحة على حساب جيوب المواطنين، حتى استفاق المغاربة على وقع صدمة جديدة تتجلى في تمرير صفقة التأمين الفلاحي لشركة «سهام» المملوكة للوزير مولاي حفيظ العلمي دون أن يكون هناك إعلان عن طلب عروض عمومي أو حملة في التلفزيون والإذاعة والصحف لإخبار الشركات المتنافسة أو توعية صغار الفلاحين بمزايا الصفقة. بل حتى على افتراض أن حكومة بنكيران أجرت إعلانا عن طلب عروض وحازت شركة الوزير العلمي على الصفقة، فإن «الشبهة» تبقى قائمة لكون الأخلاق والعرف في الدول المتمدنة تمنع المسؤول الحكومي من المشاركة في صفقات الحكومة درءا للشبهات وللقيل والقال.

نحن لا نريد وزيرا يعمل «فابور»، بل نريد وزيرا يحترم القانون والمساطر ويكون نموذجا يقتدى به من طرف المواطن ومن طرف المقاول!!

فالوزير (أي وزير) قد يخدر الشعب بأنه يتطوع لخدمة «الصالح العام» مجانا، ولكنه يلهف العقار والرخص الاستثنائية التي ترفع من قيمة ذاك العقار لتصل أسعاره إلى أرقام فلكية، كما أن البناء يكون ممنوعا على عموم الشعب، إلا أن الوزير أو المسؤول لقربه من صنع القرار يحصل على الحق في الاستثناء لبناء العمارات الشاهقة أو المحلات الفارهة. والوزير قد يصدر النصوص القانونية لضمان استمرار شركاته في احتكار ترويج أو صنع هذه المادة أو تلك أو القيام بهذه الخدمة أو تلك، ويمنع بالتالي عموم المغاربة والمنافسين من أن «يبرزطوه» في «الخبزة» التي يأكلها لوحده في هذا القطاع أوذاك.

وإذا جمعنا العائد المالي المتأتي من هذه الممارسات نجد أنه يقدر بالملايير، في حين لو تم تعيين مغربي آخر أكثر كفاءة وليست له شركات أو معامل أو عقارات، فإن مجموع ما سيتقاضاه من أجرة طيلة الولاية الحكومية (5 سنوات) لن يتعدى في الأغلب الأعم 4 ملايين درهم، بمعدل 800 ألف درهم في السنة (طبعا نحن نتحدث عن أجرة وتعويضات ينظمها قانون ساري المفعول إلى حدود كتابة هذه السطور).

فأيهما أحسن لنا: وزير يكلف الخزينة العامة 800 ألف درهم في السنة يحصل عليها بموجب القانون ويتفرغ للشأن العام لتجويد المرفق العام وتحسين جودة عيش السكان ورفع الناتج الداخلي الخام، أم وزير يرفض الامتثال للقانون (الحصول على أجرة الوزير) ويدعي أنه متطوع ويعمل «فابور» لكنه يلهف الصفقات على حساب المنافسة الشريفة ويمكن شركته أو شركاته من الملايير؟ بين المنطق و«استحمار» الشعب نموذج اليابان أمام العلمي وبنكيران!