السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: في خطاب الاتحاد، أوباما للعرب.. ما حك جلدكم مثل ظفركم

عبد القادر زاوي: في خطاب الاتحاد، أوباما للعرب.. ما حك جلدكم مثل ظفركم

ما كان يرسله الرئيس باراك أوباما من إشارات للعرب عن عدم التعويل على الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلا في السعي إلى حل المشاكل كما يريد بعضهم، وتوفير الحماية الأمنية ولو بالهيبة كما تعود آخرون، والدفع لتحقيق التوافق والمصالحة كما تؤمل أطراف ثالثة، اضطر إلى أن يقوله صراحة في آخر خطاب له عن حال الاتحاد قبل مغادرة البيت الأبيض بصفة نهائية مطلع سنة 2017.

لم يدع الرئيس أوباما الفرصة تفوت ليؤكد أن بلاده كانت ومازالت وستظل أقوى لاعب على الساحة الدولية، لأن إليها يتوجه الجميع لطلب المساعدة والتماس التوجيه وليس إلى موسكو وبكين. ولكن أمريكا وقد تعلمت من دروس فياتنام والعراق ليست في وارد أن تتدخل دائما بجيشها لدعم أي شعب أو أمة تتعرض لأزمة.

والواضح مما سبق، أن حديث الرئيس أوباما كان عن المنطقة الشرق أوسطية بمفهومها الواسع، التي تعود أسباب نزاعاتها، كما قال، إلى آلاف السنين، وتمر حاليا بمرحلة تحول تاريخية حرجة من الممكن أن تستمر لأزيد من جيل كامل (أي تتعدى الثلاثين سنة). وقد تجلت صراحة الرئيس الأمريكي مع العرب في مواضيع شتى لعل أبرزها للعيان ما يلي:

1- عندما لم يحظ الصراع العربي الإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية بأي التفاتة في الخطاب، فإن الرئيس أوباما كان يعلنها صراحة للعرب وللفلسطينيين بصفة خاصة بأن هذا الصراع لم يعد من مشاغل أمريكا فأحرى أن يكون من أولوياتها؛ وأن عليهم نسيان التعويل عليها في إنعاش عملية السلام المتعثرة في الشرق الأوسط، وعدم المراهنة على أي ضغط منها من أجل تهيئة الأرضية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة جنبا إلى جنب مع إسرائيل.

والعبرة الواجب استخلاصها من ذلك هي في ضرورة أن يقرر الفلسطينيون أنفسهم ما إذا كانوا سيكتفون من عملية السلام بما لديهم من سلطة وطنية أمنية على السكان وليس على الأرض التي يلتهمها يوميا النشاط الاستيطاني، أم سينتفضون ثالثة لاستعادة وهج قضيتهم التي باتت أمرا ثانويا على سلم الجنديات الإقليمية والدولية.

2- في تأكيده بأن داعش لا تمثل بأي شكل من الأشكال تهديدا وجوديا للأمريكيين، كان الرئيس أوباما يقول بشكل لا لبس فيه بأن الحرب التي أعلنها على الإرهاب لا ترتدي أي خصوصية، ولا تتطلب أي إجراءات أخرى غير عادية؛ الأمر الذي يعني أن إدارته لن تتورط فيها مباشرة بقوات كبيرة على الأرض، ولا مجال لعقد أي أمل على عودة مكثفة لها للمنطقة رغم شراسة التدخل الروسي في سوريا وتأثيره في موازين القوى.

وبذلك فهو يحبط آمال كل الذين يرغبون في الاستثمار في هذه الحرب المعلنة على داعش لإعادة ربط أمريكا بهم، وللتهرب من استحقاقات إجراء الإصلاحات الضرورية لتطوير أنظمتهم ومجتمعاتهم تحت ذريعة الأولوية للإرهاب. كما يقفل باب المساومة على المواقف الأمريكية في هذا المجال، لأن داعش نبتة محلية وليست مستوردة.

3- بالإقرار أن داعش لا تمثل الإسلام، فإن الرئيس أوباما لا يؤيد وجهة نظر الدول والأنظمة العربية والإسلامية فقط، وإنما يحثها على أن تتصدى هي بنفسها لهذا التنظيم الذي يشوه الإسلام، ويتحدى وجودها ذاته كدول وأنظمة مستقلة. فالخطر الاستراتيجي لم يعد كما قال هو "إمبراطوريات الشر" وإنما الدول الفاشلة. وللأسف فإن معظم الدول العربية والإسلامية إما فاشلة وقد انهارت تماما بعد أن تدمرت عمرانيا واجتماعيا أو تعاني فشلا جزئيا يعمق هوة عدم الثقة بينها وبين شعبها أو أحد مكوناته على الأقل.

ولا شك أن الرئيس الأمريكي كان بهذه الكلمات يجدد التحذير الذي سبق وأن أطلقه من قبل عن أن الخطر على الدول العربية ليس من خارجها، وإنما من داخلها، من عدم الإنصات لنبض شعوبها ومن مواصلتها التهرب من استحقاقاتها في بناء الديمقراطية الحقيقية وتحقيق العدالة الاجتماعية واحترام الكرامة الإنسانية.

4- وتبقى خير رسالة وعبرة في هذا الصدد هي تجربة الرئيس أوباما نفسه في الحكم. لقد تسلم دفة الإدارة الأمريكية في خضم أزمة مالية واقتصادية عالمية أضرت كثيرا بسمعة بلاده، وها هو يهم بمغادرة السلطة والولايات المتحدة الأمريكية كما قال منذ سنة 2014 أقرب إلى الاستقلال في مجال الطاقة عما كانت عليه منذ عقود، باقتصاد استعاد الكثير من عافيته، تمكن معها من إحداث 14 مليون وظيفة.

ولم يختبئ الرئيس الأمريكي وراء نظيرة المؤامرة ولا استخدم العبارات المنمقة الفارغة المحتوى أو طرح التساؤلات العقيمة حين أكد على أن الخطر الحقيقي على المجهودات المبذولة اقتصاديا واجتماعيا من طرف إدارته هو الخلل الكبير في توزيع الثروة وما قد يسببه ذلك من توترات اجتماعية.

إن الرئيس الأمريكي في هذا الخطاب التاريخي كان صادقا مع العرب، وكأنه يقول لهم: ما حك جلدكم مثل ظفركم، فلا تنتظروا الآخرين مكانكم، تولوا أنتم شؤون أمركم.

هذا مضمون الخطاب.. فهل سيعتبر أولي الألباب، أم يظلون أوفياء لتراث داحس والغبراء؟