الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: ليس الريع مستقلا عن الفساد كمظهر للاستبداد

مصطفى المنوزي: ليس الريع مستقلا عن الفساد كمظهر للاستبداد

لا أحد يمكنه أن يقف في صف المدافعين عن الريع في امتداداته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى ولا في خندق المبررين له ولو بالقانون.. لكن مادامت هناك «صحوة» أو «نهضة»، لا يهم من ورائها أو أمامها، بمناسبة مواجهة «تعويضات وتقاعد» البرلمانيين، ومادام عدد التوقيعات فاق، حسب الحقيقة الإعلامية عشرات الآلاف، فلماذا لا يتم توحيد الجهود هنا وهناك، وتحت إشراف جمعيات وهيئات «حماية المال العام»، وتنسيق الإمكانيات للمطالبة بترشيد الانفاق العمومي، بدءا من مواجهة الإكراميات والهبات والمأذونيات وتوزيع الأراضي/ الأملاك العمومية أو تفويتها بأثمان رمزية جدا، ومواجهة التملص الضريبي أو الإعفاءات الجبائية، ومناهضة الزبونية في منح الصفقات والاستشهارات وتعويضات الهيئات الاستشارية أو الحكماتية و«دعم» الأحزاب السياسية والجرائد الحزبية وغير الحزبية.

وحتى يكون الشعار موحدا والمطالب مؤسسة على سند، ينبغي تحديد من المخاطب في هذه الحملات والمبادرات، وإلا سيكون من باب العبث «الانشغلال والاهتمام» بمسائل لا تعدو أن تكون صيحات في وادي التنفيس والاستهلاك الإعلامي، ليدخل ذلك من باب التحضير «المتوافق عليه» بين ذوي المصالح المشتركة، لتشكيلة مجلس النواب المقبل، وسؤال المخاطب من الأهمية بما كان.. وقد نتفق على أن التعويضات المبالغ فيها تتحول، بالتراكم، إلى رشوات سياسية دائمة، لأن الخلفية ليست فقط تحفيزا على المشاركة السياسية وانما إغراء وترغيبا وتقييدا وتطويقا للإرادات.

ولأن هذه العمليات تتم بمقتضى تشريعات، وليس فقط تعليمات، فالتعليمات تشتغل بتفاعل مع «عروض» و «سخاء» الصناديق السوداء. وفي أحسن الأحوال مع ما يسمى بالحسابات الخصوصية، يبقى السؤال حول المخاطب جديرا بالعناية، فمن هو صانع التشريع يا ترى؟ إن الجواب يكمن في الدستور وفي طريقة تفعيله وفي القوانين التنظيمية، ويكمن في آخر التحليل في «تصريف وتأويل» معنى «مجال القانون»، في ظل حكومات متعاقبة تحتكر هندسة مشاريع القوانين، في حين لا يعد البرلمان سوى غرفة للتسجيل والمصادقة على ما يحال على غرفتيه/ مجلسيه ، بعد «غربلة» أو نسج المشاريع في المجلس الحكومي ثم مجلس الوزراء. بدليل العدد الهزيل لمقترحات القوانين، بغض النظر عن كون القانون يحبك ويسن في اللجان، ولا يهم عدد من صادق عليه في الجلسة العامة، مما يستدعي طرح سؤال أكثر نجاعة، حول جدوى المؤسسة التشريعية، أساسا، في علاقة واضحة مع تسطير السياسات العمومية وسن السياسة الاستراتيجية/ المصيرية العامة والوطنية، وفي علاقة مع الهندسة الدستورية وما تتيحه من صلاحيات التأهيل والتقييم والتقويم.. ولأن الفساد منظومة تتنافس على ديمومتها بنيات وتؤسس لها ميكانيزمات هيمنة الخيار الانتخابي، الذي حول الأحزاب الوطنية والديموقراطية إلى مجرد وكالات انتخابية تعيد انتاج نفسها، عبر تنخيب الأعيان والوجهاء.. وفي ذلك غنى واستغناء عن واجب اعتماد النخبة الواعية، من بين أطر وخريجي المعاهد والكليات الوطنية.

لذلك فمواجهة الريع لن يتم سوى من خلال النضال ضد الفساد كإحدى مظاهر ولبنات الاستبداد، وهذا من بين أدوار الأحزاب السياسية.. فهل هذه الأخيرة مؤهلة «لكي تغير ما بقوم» دون أن تغير ما بنفسها؟ وكيف والحالة هاته ستكون المراهنة على تغيير القشور دون الألباب؟ ولماذا، بالضبط، يتم تضخيم انتظارات المواطنين، عشية المحطات والاستحقاقات؟ ألا يخشى، من خلال هذه «المبادرات» الفوقية والحماسية والإعلامية، التطبيع مع الفساد، بعزله وفصله عن والدته وبيئته، أي بنية التسلط والاستبداد؟

أيننا من مطلب دمقرطة المؤسسات والمبادرات؟ وما قيمة التضحيات والكلفة السياسية إذا كان لابد لنا من الانصياع مع معارك ليست من صلب اهتمانا الصميم ولا هي محدد كأولوية في جدول أعمالنا الوطني؟ أين نحن من الحرب الوجودية التي تخاض ضد صناديق المقاصة والتقاعد والتكافل وكل ضمانات العيش الكريم والمسؤولية الاجتماعية الواجبة والمكتسبات؟