الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

أنس العاقل: المسرح لعنة جميلة

أنس العاقل: المسرح لعنة جميلة

أتذكر أنني في أوج مراهقتي كنت أحب لعب الشطرنج، حينما كانت دار الشباب تحتضن أحلامنا الصغيرة. كنت ألعب مع رفيق لي أصبح فيما بعد مستثمرا في المجال السياحي. في نفس الوقت كانت هناك تداريب حول مسرحية سندريلا، وكانوا يبحثون عمن يلعب دور الأمير. أتذكر أنني كنت خجولا ومفرطا في اعتياديتي، وكنت أحب ممارسة الفعل فوق رقعة الشطرنج. انسحب رفيقي بعد أن ضيقت عليه الخناق في اللعبة وقللت هامش المناورة لديه... ثم... كش... ملك. واستسلم رفيقي. دخل رفيق آخر وشاركني اللعب. أما المستثمر السياحي فغاب مدة من الوقت. أتذكر أنه كان شقيا لكننا كنا نحب شقاوته ونتواطأ معه أحيانا. كان أشطرنا في لعبة كرة الطاولة، وكان يهزمنا بكل فرجوية وينتشي. عاد رفيقي وهو يكتم ضحكته. أدركت أن شقاوة ترقص داخل عينيه وأنا أدرك تمام الإدراك أنه يدبر مقلبا. سألته: مابك؟ فأجاب وهو يكتم ضحكة شقية. اقترحتك لتلعب دور الأمير في مسرحية. أجبته مستغربا: لم أخلق لأكون موضوعا للفرجة. أفضل أن أتفرج على الناس عوض أن يتفرجوا علي. لكنه عاجلني: سترقص مع فتاة جميلة. كنت في أوج مراهقتي ولم أكن قد التقيت بجميلة من قبل. فكرت. ثم قلت له: جميلة! متأكد؟ فذكرها لي بالاسم. وعرفتها.كنت أحب روحها على خشبة المسرح والحياة. وبدون طول تفكير اتخذت قرارا قلب حياتي رأسا على عقب. قبلت التجربة على الرغم من خطورتها... المسرح لعنة جميلة. فليكن إذا. التقيت بعد ذلك السيدة المسؤولة عن العرض. أتذكر أنها تأملتني للحظة وتأملت شنبي الذي يصارع من أجل حقه في الوجود. جربتي في رقصة، ورقصت رغم أنني كنت قطعة خشبية. وقبلتني ممثلا. هههه.

أذكر يوم العرض المسرحي حينما كنا نرقص رقصة سندريلا والأمير، تعالى صفير الجمهور، وبدأت عبارات الاحتجاج والتنديد. مزيج من الكبت المغلف بطابع المحافظة كان يعبر عن نفسه. يا لها من ورطة! فكرت بيني وبين نفسي. وانقسمت جزء مني خارج الخشبة. تلعثمت، وارتبكت، لكن سندريلا كانت في الموعد. إذ نظرت إلى عيوني نظرة حازمة جعلتني أخجل من ذكورتي، ثم ابتسمت ابتسامة ساحرة وهي تستدير راقصة إلى الجمهور. وحدث ما لم يكن متوقعا. خفتت الاحتجاجات شيئا فشيئا، وأكملنا الرقصة على إيقاع الفالس. أذكر أن حياتي تغيرت بعد ذلك العرض. كنت أعيش ببعدين فقط وأضاف لي المسرح البعد الثالث. تجاوزت خجلي واستعدت طفولتي ودهشة الاكتشاف. منذ ذلك اليوم بدأت أهدم كل شيء أعرفه، وتعلمت أن أمنح نفسي الحق في الخطأ والبلادة والغباء. وأدركت أن الحياة أكبر من أن تختزل داخل رقعة شطرنج.

أشكر رفيقي وأشكر رفيقة وأشكر السندريلا. لقد منحتموني الحق في أن أعيش أكثر من حياة. أليس المسرح حياة بأكملها نعيش بداخلها أكثر من حياة؟!!! كنا نقطن مدينة صغيرة، لكنها حبلى بالأحلام.