الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد الباكير:هذه "فضائح" بعض القضاة أيتها القاضية أمال حماني

محمد الباكير:هذه "فضائح" بعض القضاة أيتها القاضية أمال حماني

هل تعتقدين أيتها القاضية المغوارة [القاضية أمال حماني] أنت ومن يقول قولك أن اقتناع المواطن بكون القضاء والقضاة مجرد مرادفات للفساد جاء نتيجة لألاعيب السياسيين؟ فما قولك إذن في أن المحامين ومهنيي القضاء يقولون مثل هذا وأكثر؟ لماذا لم أسمع صوتك يوما تنكرين على قاض مرتش، وما أكثر المرتشين بينكم، أو تنهين قاضيا جاهلا عن التسرع في الحكم بالباطل، وما أعظم الجهل فيكم؟
هل تريدين أن تقنعينا أنكم معشر القضاة فضلاء نزهاء لا يأتيكم الشيطان من بين أيديكم ولا من خلفكم و أنكم لا تستسلمون لبريق المال أو زهوة السلطان ولا تركنون إلى طيبات معرفتكم الضحلة وضميركم المهتز؟
لقد بلغ السيل الزبى وضاقت صدورنا عن أن نسمع تفاهاتكم هذه ثم نسكت دفعا للفتنة، فقد بالغتم أيما مبالغة في محاولة جرنا وجر هذه الأمة إلى حالة تصيرون فيها بغير رقابة ولا تبقى لنا في مواجهتكم أية آلية للمحاسبة.
نحن جميعا نعلم أن الغالبية العظمى من القضاة مرتشون. أقولها وأكررها مرتشون. لا يرون في الملفات المعروضة عليهم سوى فرص للاسترزاق بأساليب شتى. وقليل منكم النزهاء العارفون الذين يربأون بأنفسهم عن حمأة الفساد ويقنعون بأجر بسيط على مرأى و أمام سخرية أولئك الذين صاروا سماسرة للعقار ومقاولين وفلاحين وملاكين بعد أن لم يكونوا يملكون درهما ولا دينارا.
ما قولك أيتها القاضية المجاهدة في زملائك الذين لا يستطيعون أن يرفضوا المغلفات الصفراء؟ ما رأيك في قضاة النيابة العامة الذين "يسمسرون" في الملتمسات المتعلقة بطلب بالسراح؟ أو الذين يسترزقون مقابل عدم استئناف أوامر قاضي الحقيق في السراح؟ أو في الذين يسهرون على تتبع شكايات بعض المواطنين المحظوظين وتحريك إجراءاتها بمقابل؟ أو في الذين يسمسرون في التعليمات المتعلقة بمذكرات البحث؟ أو في تكييفات الأفعال موضوع المتابعة؟
ما رأيك في قضاة الحكم الذين يخشون من معاتبة وكلاء الملك أو من استفسارات المفتشين إذا قضوا بالبراءة، فيفضلون الإدانة في كل مرة تقريبا عملا بالقاعدة الاجتهادية القضائية "تبكي مو ما تبكي أمي"؟ أم لعلك لا تعرفين هذه القاعدة؟
ما رأيك في قضاء الحكم الذين يقدرون العقوبة بناء على سلم للرشاوى المعروضة؟ أو في الذين وضعوا مقياسا جعلوا قيمة العطية فيه مبنية على معدل نفقات الأسرة على المدان، بحيث اعتبر معدل هذه النفقات 1500 درهم (مثلا إذ قد يكون أكثر) لكل أسبوع، ثم تقدر النفقات السنوية، ثم يحسب عدد السنوات التي سيتم خفضها، ومن تم تقدر قيمة المبلغ المطلوب؟ هل رأيت منكرا أكبر من هذا؟؟
ما رأيك في القاضي الذي يحدد المبلغ فإن تسلمه سأل المشتكي كم تريدني أن أقرر في العقوبة وفي التعويض؟؟
ما رأيك في القاضي الذي يوصي الظنين في حادثة سير بالإسراع في اتخاذ القرار في المبلغ المطلوب حتى لا تتم عرقلة العملية بتدخل ذوي حقوق الضحية المقتول؟؟
ما رأيك في القاضي الذي "يجرجر" محاميا بجميع أشكال "التجرجير" حتى يخضع و يعطي الرشوة عن يد وهو كاره مقابل تمتيعه بأمر رئاسي بفتح محل اشتراه بالمزاد العلني عن طريق نفس المحكمة؟؟
ما رأيك في عمليات تأخير النطق بالحكم في ملفات استعجالية لأكثر ثلاثة مرات على مدى شهرين لإجبار الطالب على "الدهين"؟
هل كلفت نفسك يوما عناء استفسار عائلات المتابعين الذين يقفون أمام المحاكم الزجرية وأمام قاعاتها عن العروض المقدمة لهم وعما يعتزمون القيام به لضمان "نتيجة عادلة" لذويهم؟
لكنني إلى حد الآن لم أذكر سوى ملفات تافهة يعاني فيها المواطن البسيط، يعاني فيها أولئك الذين لا تلتفتين إليهم أنت ولا زملاؤك الأشاوس.
فماذا عن تلك الملفات السمينة التي يشرئب عنق القاضي عندما يرى المبالغ الدائرة فيها، الملفات التجارية والعقارية؟ ألا تعلمين أن الرشوة فيها تحسب بملايين الدراهم؟ 
من الصعب عليك أن تعرفي ذلك إذا لم تكوني من طبقة كبار القضاة (الكبار في الضلالة) لأنك أستاذتي العزيزة لا تملكين من نفاذ البصيرة ما يمكنك من تتبع آليات الفساد هناك، ولو كنت تستطيعين ما انبريت للصراخ بهذه الحماسة (راهم تاياكلو بفمك الثوم).

اسمعي مني يا أيتها القاضية التي تدافع عن القيم الكونية.
أنظري حولك.. كم قاضيا يجهد نفسه علانية ويصدع بما تصدعين به؟ ثلاثة أو أربعة؟ إنكم إذا صدقتم في دوافعكم ـ و أنا أعلم أن بعضكم صادق فقد كانت لي معه لقاءات ـ فأنتم مع ذلك أغرار سذج. فالفساد في جسم القضاء قد بلغ قدرا لا يطاق، إلى درجة أننا لو عشنا بلا قضاء لما غير ذلك من أوضاعنا شيئا.
دعيني أفتح عينيك على أمر لا ينتبه له أحد منكم. لماذا في رأيك صارت المؤسسات المالية والتجارية تفضل اللجوء إلى التحكيم على الرغم من كلفته الباهظة؟ لا تجيبي بما تقرأينه في الكتب التافهة المؤلفة حول التحكيم والطرق البديلة.. صحيح أن بروز هذه الوسائل في الدول الديمقراطية قد جاء لأسباب المرونة والسرية والسرعة في البت وغير ذلك مما هو معلوم. لكنه لدينا يا عزيزتي إنما تطور للهروب من الفساد.
ليس الأمر إذن أن السياسيين قد استطاعوا إقناع الناس باستشراء الفساد في القضاء ليتمكنوا من السيطرة عليكم.. هذا حديث ساذج بريء.. فالسياسيون منذ بدأت السياسة وبدأ القضاء العصري في المغرب لم يتدخلوا في أعمال القضاء إلا بما يرضي القضاة، وهو مباركة فسادهم والتعيش منه إلى جانبهم. و لذلك لم يحدث في تاريخ المغرب الحديث أن انتفض القضاة بهذه الشدة ضد أية حكومة لا في السر ولا في العلن (سيري سولي).
ما يحدث اليوم هو أنه لأول مرة سوف يتدخل السياسي ليجتث بعضا من جذور المفسدين التي كانوا يعتصمون بها لإخفاء فسادهم، و لأول مرة سوف يستجيب السياسي لصرخات المواطنين المكلومين من ظلم القضاة. أقول هذا على الرغم من أنني لا أوافق بعضا مما سطر خاصة في أمر فك الارتباط المؤسساتي بين القضاء و التنفيذي.
يكفي هذا اليوم..