الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد منير: الجماعات الإسلامية .. إسلام على المقاس

محمد منير: الجماعات الإسلامية .. إسلام على المقاس

     إن المتأمل للحقل الديني في المجتمع المغربي وسط عجيج الإسلام الدعوي والسياسي من حيث هو جماعات وتنظيمات إسلامية يظن أنه معافا وسليم بيد أن الواقع يشي بوجود أخطاء وأمراض مزمنة ذاتية وموضوعية حادت بها عن الطريق تفاريق ، وقد استفحلت هذه الإشكالات/الخيارات ، وطغت على السير الجماعي والفردي بحيث صارت في أغلبها معوقات ذهنية/دينية طال عليها الأمد فاتخذت من العقل والوجدان حصنا مانعا ، وتقوقعا يحجب عيْنَ البصر حقيقة النظر ويمنع عنها الحقيقة في وجْهات النظر ، فمنها من ارتبط بعقال التنظيمات وتمترس بين أسوار الجماعات ، رافضا كل جديد وبديل قانعا فرحا بالوجبة العلمية الفقيرة والتربوية الهزيلة التي تقدم له صباح مساء ملقحة بالبدع والخرافات ، فضلا عن عقم جدواها تخلقا وسلوكا ونرجسيات الفرقة الناجية المالكة لمفاتيح الجنة والنار ، ومنها من التهم نزوعُه للسياسة دينَه ومروءَته وشطّ به ذات اليمين وذات الشمال وافتُضِح أمره وبان للناس خوره وعوره ، ومنها من غلا في الدين تنطعا وجهلا وظن أنه قيم على الناس بالدين وصنفهم على هواه ، وتلمس من الدين قشوره وطقوسه واختزلها في قميص ومئزر وسواك ، وأغلق عقله وقلبه عن لب الدين وجوهره وأصبح منبوذا يتقزز منه الناس ولا يرجون لقاءه ولا نقاشه فبالأحرى دعوته ودينه ذلك لفقده المرونة واللين ولا يقبل بالحوار ، ومنها من يستخدم الدين سلما للقضاء على خصوم السياسة وبلوغ مرامه وتحقيق أهدافه العامة كالإستوزار والسلطة ، وأخرى خاصة كغطاء الحقوق وجني المال الفاسد والإفساد .

     وبالنظر إلى المستجدات والتحديات الإجتماعية والإقتصادية باتت الجماعات الإسلامية تعيش حالة إغتراب وانسحاب شبه تام من الواقع الديني ، وعشش نوع من الركود والجمود الفكري ، والتطبيع الوجداني مع مفاهيم عفا عنها الزمن ولم تحاول الفكاك عنها والخروج من صندوقها الأسود وقلعتها الوهمية ، ونحت بنفسها عن رسالتها الربانية منحا جارفا جعلها تحيد عن مقاصد وجودها وعقد ميلادها ، فلاشك أن الجماعات الإسلامية بكل أطيافها كان لها الدور الكبير والأثر البالغ في المجتمع العربي عامة ، وكان لجمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده ورشيد رضا الفضل الكبير في وضع تصورها المنهاجي المجدد عبر مجلتي "العروة الوثقى و المنار" والذي يروم بناء وتقويم المجتمع العربي والإسلامي خصوصا بعد سقوط الدولة العثمانية والضربات العسكرية والفكرية المتتالية التي كان يتلقاها المسلمون من الغرب .

     إن من أسباب ما اعترى هذه الجماعات من أمراض ثلمت منهجها الاستصنامي تقديسها لانتمائها التنظيمي حد التقديس عن المقدس ، قال الله عز وجل : (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) 32 الروم ، والاستماتة في الدفاع عن أغلاطها ومغالطاتها تعصبا حد التخريف والهذيان وإن على باطل ، وصدها العمه عن مجرد السؤال عن صواب سيرها وسلامة فقهها وموقفها ، فكان أن جر هذا التعنت ببعض المعارضين لهم من اليساريين والعلمانيين والزاعمين "للحداثة" إلى كرههم جميعا أفرادا وجماعات بل انزلق كثير منهم منزلقا خطيرا ، فكره الإسلام والدين برمته وهو الذي يدعي أنه مسلم ومؤمن حق الإيمان ، فوقع في المحذور ولم يفرق بين الإسلام كدين ورسالة ربانية وبين جماعة إسلامية اندرس عنها الإسلام وبقيت الجماعة .

     لقد رغبت أغلب الجماعات الإسلامية وإن لم نقل كلها عن ممارسة النقد الذاتي قبل تضخم الهوة وتعاظم الكوة ، وعن مواجهة صدمات فقه الواقع لتقويم المسار عبر محطات/مراجعات هادئة العقل والخاطر بمنهجية صحيحة تربية وفكرا ، قراءة وتدبرا ، وعلما يفضي إلى تفتق رؤى واضحة لا غبش فيها ، والإنفصال عن عاداتها وقيودها خارج حدود التنظيم ، ثم معاودة الإتصال بجماعة الناس الأصل الأصيل في المجتمع الإسلامي بترتيب الأولويات ورشد وبصيرة ، وتحويل الممارسة الدينية إلى مؤسسات تمتلك قدرة جبارة وخبرة علمية هائلة فقها وثقافة تصنع الحضارة وتقدم البدائل ، وتشارك الأمة همومها ومشاكلها بدل معاملتها كمتلق للخطاب ومجالا للتعبئة وآلات حصاد والإرتهان إلى الكسل والإنتظارية ، فتكون بهذا الإختيار/المنهاجي قد ربطت علاقة سامية مع الله نقية مع النفس وثيقة مع الناس بعيدا عن المغالاة والمُراءاة ، ذلك لإن مصادر التلقي وضوابط الإستنباط في ديننا الحنيف أوسع بكثير من أن تنحصر في مذهب عالم واحد أو تختزل في رأي زعيم أو جماعة لم تكن يوما ما أصلا في تركيبة المجتمع الإسلامي ولا أصلا من أصوله ، لأن الإسلام قرآن عظيم وسنة نبوية شريفة ، يقول محب الدين بن الخطيب : (المسلمون إلى خير ولكن المشكلة في القيادة).