الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى نزيه: المغرب و الإتحاد ألأوروبي... علاقات أعمق من الحوادث المقصودة

مصطفى نزيه: المغرب و الإتحاد ألأوروبي... علاقات أعمق من الحوادث المقصودة

إذا كان حكم محكمة العدل الأوروبية الصادر يوم 10 دجنبر 2015 بشأن الاتفاق الفلاحي بين المغرب والإتحاد الأوروبي مفاجئا، ففقط لأنه صدر عن إحدى المؤسسات السبعة للإتحاد، المفروض مبدئيا أن تكون قراراتها قانونية صرفة غير مسيسة وبعيدة كل البعد عن توصيات جمعيات اللوبي المناهض لوحدة المغرب الترابية.

وإذا كان هذا الحكم مجحفا في حق المغرب الذي يدافع عن الوحدة التاريخية لأرضه من الشمال إلى الجنوب، فرب ضارة نافعة فتكون من حسناته التنبيه إلى أن لوبي المناهضين للوحدة الترابية للوطن قد يطال الكواليس الأوروبية ليخترق مؤسسات الإتحاد عبر سياسيين و برلمانيين و أحزاب ليستمر المشكل المفتعل حول الصحراء المغربية.

وعلى الرغم من ذلك فيمكن اعتبار هذا الحكم من الحوادث المتعمدة التي تحاول يائسة النيل من الوضعية الاعتبارية للمغرب على الصعيد العالمي نظرا للظرفية التي أتى فيها.

فعلى المستوى الاقتصادي يشدد الملاحظون على أن المغرب يوجد حاليا في وضعية انتعاش يحسد عليها مقارنة مع محيطه الإقليمي الا مستقر، و على المستوى السياسي يتميز بانفتاح و حركية صحية في إطار مسلسل ديمقراطي متنامي. أما على الصعيد الأمني فينعم باستقرار قل نظيره ويوجد في وضع ريادي، من شأنه إعطاء دفعة قوية لقطاع السياحة ومجال الإستثمار، إن أخذنا بعين الاعتبار هزات بعض دول الشمال وكوارث بعض دول الجنوب، وهو ما لا يروق للمناهضين الجاهلين أن المغرب ليس الدولة الموز وإنما هو حضارة عظيمة ودولة عريقة تسعى دوما للتقدم الذي تستحقه ولاحتلال مكانتها الطبيعية بين الأمم الراقية.

و يأتي هذا الحكم كذلك في وقت تراكمت فيه الإخفاقات السياسية على المستوى الدولي لأعداء المغرب و نكساتهم الاقتصادية بعد تراجع أثمان البترول على الخصوص.

فإذا قيل قديما أن الأمم تقاس بمكانة حكامها و إذا قيل مؤخرا في بعض وسائل الإعلام الدولية أن المغرب أصبح، بفضل الإستراتيجية التنموية لجلالة الملك محمد السادس التي تساهم في جلب الاستثمار الخارجي و كذا مواقفه السياسية الصائبة، رقما صعبا على الساحة الدولية، فأكيد أن المعادين للوحدة الترابية للوطن و المناهضين لمسلسل التنمية بالمملكة، في بعض الدول الإفريقية و الآوروبية، يسعون، من جهتهم، إلى تأخير المسار.

لذا وجب اعتبار حكم محكمة العدل الأوروبية حكما سياسيا و ضربة من تحت الحزام، بالمفهوم الرياضي الذي يمنع ذلك طبعا، و يدخل أيضا في إطار لعبة شد الحبل كي تستمر العراقيل و المناوشات أمام المسار التنموي للمغرب و إشعاعه العالمي، لأن الاتفاق بينه و بين الإتحاد الأوروبي لم يكن وليد اليوم أو الأمس القريب بل هو وقع بين الطرفين في مارس 2012 و يدخل ضمن العلاقات المتميزة بين المملكة و الإتحاد الأوروبي و امتدادا لاتفاقية الشراكة الموقعة في 26 فبراير 1996 و التي أدت بتدرج إلى الوضع المتقدم الذي حصل عليه المغرب في علاقاته مع الإتحاد في 13 اكتوبر 2008.

و للتذكير بأهمية هذه العلاقات فقد كان جلالة المغفور له الحسن الثاني قد قدم طلب العضوية، باسم المغرب، للإنضمام الى السوق الأوروبية المشتركة، التي أصبحت فيما بعد الإتحاد الأوروبي، خلال انعقاد المجلس الأوروبي يومي 25 و 26 يونيو 1984 بفونتين بلو بفرنسا، و هو، رحمة الله عليه، القائل "إن المغرب شجرة جذورها في إفريقيا و أغصانها في أوروبا"، لإيمان جلالته الراسخ في نفس الوقت بأهمية العلاقات بين إفريقيا و أوروبا، كون يد واحدة لاتصفق.

و معلوم أن المغرب يقوم ضمن هذه العلاقات بدور ريادي و أصبح يحتل حاليا رتبة ثاني مستثمر قي القارة السمراء بعد الصين الشعبية بفضل الإستراتيجية التنموية لجلالة الملك محمد السادس و تشجيعه لسياسة جنوب ـ جنوب، خاصة أن الموقع الجغرافي للمغرب يجعله أهلا للعب هذا الدور بامتياز.

ففي إطار الشراكة المقننة بين المغرب، الذي يحضى بالوضع المتقدم، والإتحاد الأوروبي فالمملكة مساندة من طرف الإتحاد و هي، من جهة أخرى، مساندة كذلك، سياسيا و اقتصاديا، من طرف مجلس التعاون الخليجي في إطار اتفاقيات متينة و متعددة الجوانب و التي تنعكس بصفة خاصة على مجال الإستثمار في المغرب.

و ما تميزت به سنتي 2014 و 2015 من استثمارات أوروبية و أمريكية و خليجية في المغرب إلا انعكاس إيجابي لبصمات جلالة الملك محمد السادس ضمن الاستراتيجية التنموية لجلالته و علاقاته مع زعماء الدول الصديقة.

و يمكن التذكير ببعض مشاريع الاستثمار الكبرى لشركات عالمية بالمغرب خلال هاتين السنتين، على سبيل المثال لا الحصر، كبناء أكبر معمل بإفريقيا لشركة كوكاكولا الأمريكية بطنجة لينتج للقارة، و مشروع بناء معمل شركة بوجو الفرنسية لصناعة السيارات بسيدي يحيى ليصدر إلى إفريقيا و الشرق الأوسط و بناء معمل جديد لشركة بومبارديي الكندية لصناعة الطائرات بالدار البيضاء و مشروع بناء معمل لشركة تيكاليميت الفرنسية لصناعة الطيران بالدار البيضاء، إضافة إلى رغبة الصين تعزيز استثماراتها في المغرب في شتى المجالات و كذا المشاريع الإماراتية المتعددة التي تم التوقيع عليها مؤخرا خلال الزيارة الملكية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

فالاختيار الذي يقع على المغرب لا يأتي من فراغ و المصالح الاقتصادية لدول الاتحاد الأوروبي أكبر من حكم محكمته في هذه القضية الأورو ـ أوروبية.

ولابد من التذكير مرة أخرى بأن المتتبعين لملف الصحراء المغربية المفتعل قد تعودوا على المناورات السياسية الدنيئة والخرجات الموسمية لأعداء الوحدة الترابية للمملكة و التي تنتهي دوما كزوبعة في فنجان، إذ بعد موقف المغرب الحازم و بعد أن صادق وزراء خارجية الإتحاد بالإجماع، بما فيهم السويد، في 15 دجنبر 2015 على إستئناف حكم المحكمة الأوروبية، من المؤكد أن ما وقع يوم 10 دجنبر لن يخرج عن القاعدة، علما أن مسيرة التقدم الذي يسعى له المغاربة مستمرة و مستوى الرقي الذي يبتغونه قادم لاريب فيه، بحول الله.