الجمعة 26 إبريل 2024
في الصميم

بروكسيل : «كاريان» أوربا الذي فجر باريس

بروكسيل : «كاريان» أوربا الذي فجر باريس

حين اهتزت الدار البيضاء في أحداث 16 ماي 2003، عقب العمليات الإرهابية، اكتشفت النخب السياسية والعمومية كاريان السكويلة وكاريان طوما بسيدي مومن، بالنظر إلى أن هذين التجمعين الصفيحيين كانا المنبت الذي فرخ الانتحاريين. وإذا كانت كل نقمة في طيها نعمة، فمن تبعات الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء أن السلطات المغربية لم تعد تتعامل باليسر والتواطؤ مع الكاريانات كخزان انتخابي لهذا الحزب أو ذاك، لأن هذه الجيوب الهشة أصبحت تمثل مضخة إرهابية خطيرة قد تهدد وجود الدولة في حد ذاتها. من هنا نفهم تلك الجدية في التعاطي مع الإرهاب ومع الأحياء الفقيرة والصفيحية. فبرز برنامج مدن بدون صفيح عام 2004 وتم تسطير برنامج زمني لا يتجاوز خمسة أعوام لتطهير البيضاء والمغرب من كاريان يحمل اسم طوما والسكويلة. وهو ما تحقق فعلا على أرض الواقع باجتثاث ليس طوما والسكويلة فحسب، بل تم اجتثاث حوالي 50 ألف براكة بالدار البيضاء خلال 10 أعوام والباقي في طور تهييء الأقطاب الحضرية والتجزئات السكنية لإيواء ما تبقى من أسر قاطنة بالصفيح. طبعا المغرب، لم «يقطع الواد وينشفو رجليه». فبالرغم من تبني خطة رباعية لتجفيف منابع الإرهاب بأذرع اجتماعية وأمنية وهيكلة للحقل الديني وتبني سياسة عمومية تستهدف الفئات الهشة، فإن اليقظة هي الشعار، بدليل الخلايا العديدة التي يتم تفكيكها بفضل الخطة الاستباقية لوأد كل خطر محتمل بالمغرب. ما الذي يجعلنا نستحضر حالة الإرهاب بالمغرب بالتزامن مع التفجيرات الإرهابية بباريز يوم الجمعة الأسود (13 نونبر 2015) والتي خلفت أزيد من 130 قتيلا والعشرات من الجرحى؟ إنه الغرور، غرور الغرب في الاعتراف بأخطائه. والدليل أن كل الصيحات التي كانت تشير إلى بروكسيل، ليس كعاصمة لأوربا، بل كـ «كاريان أوربا» حاضن للجهاديين والانتحاريين، كانت تقابل بالاستهزاء والتجاهل. فالزائر لمدينة بروكسيل سيصاب بالذهول : كيف أن أوربا العقلانية وأوربا «الحق والقانون» ارتضت لنفسها التنازل عن جزء من ترابها لتحويله إلى معقل للمتطرفين. فحي مولانبيك ببروكسيل (والذي زارته «الوطن الآن» عدة مرات) يصح أن يحمل اسم «مولانبيكستان»، إذ ينذر أن تعثر في شوارع هذا الحي على ملامح عمارة أوربية أو لباس أوربي أو أكل أوربي أو حتى غناء أوربي. فالفضاء العام تم احتلاله من طرف المتطرفين منذ مدة. وبدل أن تتدخل السلطات البلجيكية لرد الأمور إلى نصابها كانت ترفع ورقة «حقوق الإنسان»، والحال أنها كانت تلعب بالنار بحكم أن تغاضيها عن احتضان المتطرفين والجهاديين عبر تسخيرهم في حروب قذرة مع دول أخرى، جعل السحر ينقلب ليس على بلجيكا فحسب، بل وعلى أوربا ككل. فبلجيكا ظهر أن أمنها لا يراقب أي شيء، والحجج هنا لا تعدم المراقب، فمعظم الإرهابيين المتورطين في مختلف دول العالم أتوا من بلجيكا، وتحديدا من «مولانبيكستان» ببروكسيل (حسبنا نحن كمغاربة أن نستشهد بحالة علي عراس وتوفيق كورام وعبد اللطيف بختي وعبد الرحيم بختي وخلية بلعيرج، وهم كلهم توبعوا بقانون الإرهاب). اليوم، وبعد أن تم ضرب باريز في عقر دارها وما ترتب عن ذلك من قتل للأبرياء، وقعت صحوة لدى الحكام الغربيين بعد أن اكتشفوا أن التفجيرات الإرهابية ليوم 13 نونبر بالعاصمة الفرنسية ما كان لها أن تقع لولا وجود حي اسمه «مولانبيك» أو (كريان مولانبيك) في عاصمة اسمها بروكسيل في دولة اسمها بلجيكا. وهذا ما جعل بعض المعلقين يذهبون إلى القول إن الرد الفرنسي على التفجير الإرهابي بباريز لم يكن يتعين أن يقتصر على قصف الرقة بسوريا فقط، بل و«قصف» حي مولانبيك ببروكسيل لدكه دكا. وإن صعب ذلك من الناحية العسكرية والإنسانية حتى، فحتما ستدفع فرنسا جارتها بلجيكا لتبني مشروع لإعادة هيكلة حي مولانبيك لتجفيف المنابع الإرهابية التي تتغذى منها الشبكات الجهادية بأوربا ككل. وهو مشروع إن تحقق (مثلما حدث في كاريان طوما والسكويلة بالبيضاء) فلن تربح بروكسيل حيا آمنا فحسب، بل وستخرس الألسنة (من جمعيات ووسائل إعلام غربية) التي جعلت من إرهابيي بروكسيل المعتقلين بالمغرب، ابطالا !