الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

رشيد صفـر: هل تنقذ التربية غير النظامية ما أفسدته اللامبالاة؟

رشيد صفـر: هل تنقذ التربية غير النظامية ما أفسدته اللامبالاة؟

في التسمية حيف تربية غير نظامية أي ليست نظامية، ويُمكن أن يشرحها البعض بالفوضوية أو غير المُعقلنة. الأسماء لها وقع كبير على نفسية المتلقي. قلما ينتبه لذلك المسؤولون ومعدو المسودات والقوانين، كان الأجدر أن تسمى "الفرصة الثانية" أو "التربية الموازية" أو التعليم الموازي" أو أي اسم آخر يمكن أن ينم عن اجتهاد وتفنن في إطلاق الأسماء هكذا في السماء. ليس مفروضا علينا إعطاء البديل بالموازاة مع النقد لتوضيح حسن نيتنا.

انطلقت في 1997 واستهدفت الأطفال الذين حُرموا من ولوج حجرة الدرس والتلاميذ الذين انقطعوا عن الدراسة في مرحلة ما، خصوصا الابتدائي والإعدادي وهم كـُثر في المدن والبوادي. تنطلق في 13 أكتوبر من كل موسم دراسي، ويتم تنفيذها بشراكة مع الجمعيات والنيابات تحت لواء وزارة التعليم، شرطها أن لا يتجاوز المستفيد سن 16 عاما، حتى لا يجد  في مرحلة ما التلاميذ في عمر أبنائه، مع ما يسببه ذلك من إحراج بعد الالتحاق بمؤسسة التعليم العمومي، قدوما من أقسام الجمعية المُحتضنة لدروسها داخل أقسام مدارس أو مراكز عمومية، تحت تأطير الحاصلين على الإجازة الذين يتقاضون "24 ألف درهم" في السنة نظير مساهمتهم في تدريس المستفيدين من هذا البرنامج التعليمي الموازي للتعليم العمومي، الذي يُعطي فرصة ذهبية لتمكين ضحايا الهذر المدرسي أو التعثر الدراسي أو الذين لم تشملهم آلية "إجبارية التعليم" للاندماج في مسالك التعليم أو العودة لحجرة الدرس وإمضاء سنة أو أكثر في الجمعية والالتحاق بطاولات المدرسة العمومية بعد النجاح في فترة الاستفادة من التعليم داخل الجمعية.

من غرائب الأمور أن العديد من الآباء والأمهات وغيرهم، يعلمون أن الانتخابات تنطلق في فترة كذا وكذا ويدق أبوابهم المسؤولون والحزبيون لحثهم على ضرورة التعبير عن أصواتهم في الاستحقاقات..، وتقام الولائم والاجتماعات داخل المنازل ومقرات الأحزاب وتمطرنا التلفزات بتدخلات الأحزاب لشرح البرامج الخيالية، لكن لا يدق أحد أبواب المواطنين لإخبارهم بأن موسم التربية الموازية للتعليم العمومي سينطلق في 13 أكتوبر. نرى كيف توزع مناشير الأحزاب على المقاهي والأحياء ولا نرى منشورا واحدا يجوب المقاهي والأحياء للتعريف بهذا البرنامج الذي يستهدف محاربة أقوى أعداء المجتمع: الجهل والأمية، والهذر المدرسي التي تعد من الأسباب الرئيسية لتعبيد الطريق لضحاياها صوب الانحراف والجريمة والعدمية.

باستثناء بعض المبادرات المُتفرقة التي تقوم بها الجمعيات ونيابات التعليم لاستقطاب ضحايا الهذر المدرسي والحرمان من العلم والتعلم داخل المؤسسات العمومية عبر هذا البرنامج، لا تجد داخل أجندة الأحزاب والسلطات المحلية (مقاطعات.. عمالات.. دوائر وقيادات أمنية) أو مراكز تابعة لوزارة التنمية والوزارة المهتمة بالطفولة وقطاع الشباب، لوائحا للأطفال المحرومين من الدراسة أو المغادرين لها تحت أي سبب من الأسباب.. فبالاطلاع على وثائق القائد والباشا والمقدم، ستجد فلان يقطن بالسكن الفلاني، فلان يمارس التجارة الفلانية، فلان له سوابق عدلية، فلان متزوج، فلان لا شغل له ولا مشغلة. لكن لا تجد ابن فلان غادر الدراسة يجوب الشوارع دون اتجاه ودون تكوين في مجال مهني.

فقط عند إلقاء القبض على بعض أو أغلب ضحايا الهذر المدرسي الذين مالوا  للإجرام في غياب أية حماية اجتماعية واهتمام بحالاتهم النفسية والاجتماعية، يتم تضمين المحضر المستوى التعليمي للجاني وسبب التوقف عن الدراسة وتفاصيل المسار الدراسي كاملا، من البداية إلى حين توقف عجلة التحصيل و"الحَصْلة" بين يدي الشرطة أو الدرك، أو تقرأ داخل المحضر لم يلج قط حجرة الدرس.

دائما يأتي التدخل عندنا بعد فوات الأوان ووقوع الفأس في الرأس، وقلما نعيد البناء في الوقت المُناسب قبل تصدع المجتمع وانهيار جسور المواطنة الحقة، التي تتأسس من خلال الاهتمام بالمواطن لكي يكون صالحا بالمعنى الحقيقي للكلمة، بعيدا عن المسودات والخطابات الجوفاء، حينها يصبح الهاجس الأمني دافعا لتنفيذ عملية قيصرية فاشلة لاجتثاث الانحراف والعدمية، بعد عجز المجتمع والدولة أمام حماية المواطن وتأطيره تأطيرا سليما، منذ كان طفلا صغيرا قادرا على استيعاب المبادئ والقوانين بشكل عفوي وباحترام متبادل، ليوازي ذلك شق الطريق نحو التفوق وإتقان العلوم والمهن وتنعكس ثماره على العمل الاجتماعي الهادف الضامن لصلاح الفرد والمجتمع داخل رباط وثيق.