السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: رغم عدالة قضيتنا، لن نلبس جلباب آبائنا دون تعديل المقاس

مصطفى المنوزي: رغم عدالة قضيتنا، لن نلبس جلباب آبائنا دون تعديل المقاس

كان الراحل الحسن الثاني ومستشاروه يعتبرون أن تحقيق التقدم في قضية الصحراء مرتبط بتقوية الجبهة الداخلية، بما يعنيه لديه « بتجميد » الصراع الاجتماعي والسياسي وتأجيل اللحظة الديمقراطية إلى حين، وقد دفع المغاربة الثمن غاليا، حطبا لهذا الاختيار، ولم يسلم لا البشر ولا الشجر ولا الحجر، فجرت تسويات كثيرة من تحت جسر الزمن السياسي، من المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي تخلى « مهندسوه » عن « الازدواجية » و « الوطني» مقابل « الاشتراكي » بدعوى الوضوح الايديولوجي، واستعملت القضية الصحراوية لتصفية الحركة الماركسية اللينينية في مهدها بعلة تبني مطلب « تقرير مصير » أصدقاء مصطفى الوالي، واعتقلت قيادة الاتحاد الاشتراكي بسبب رفض « صيغة » مقترح « الاستفتاء التأكيدي »، وفي ظل هذه الأجواء صنعت الدولة أحزابها الإدارية من الأطر المتوسطة التي أصابها العياء السياسي من بين قدماء « الشيوعيين والاشتراكيين »، وسلمت لهم « الأغلبيات » علي التوالي لكي يدبروا الشأن العام من زاوية تصفية تركة الحركة الوطنية والإجهاز على المكتسبات، وتغيرت الظرفية الدولية بعد سقوط جدار برلين وإبرام « توافق واشنطن » وتصاعد المد المحافظ منذ نهاية « حرب النجوم » بريادة تاتشر وريغان، واستمر « النظام » المغربي في احتكار تدبير ملف الصحراء « محفوفا » بقسم المسيرة الخضراء وتحت ظلال قرار « وقف إطلاق النار » سنة 1991، والذي ساعد على إمكانية تبلور إمكانية إبرام تسوية عادلة للقضية، واتخذت مبادرات عديدة للتفاوض المباشر مع قيادة جبهة البوليساريو، لم يشأ لها النجاح سوى في بداية عهد محمد السادس، توجت بتبلور مقترح الحكم الذاتي، والمؤسس على التعامل مع القضية من منطلق مطلب « تحرير الإنسان » وليس فقط مطلب « استرجاع الأرض »، وقد حصل لي شرف الإعلان عن ضرورة الحوار مباشرة مع الصحراويين كمغاربة في شقهم الاتصالي أو الانفصالي ، وطالبت آنداك بالكف عن الحديث عن « مرتزقة » أو ما شابه، حصل ذلك في ندوة « حلقة أصدقاء الفقيد محمد باهي الشنقيطي » بمراكش في ربيع سنة 2000 بقصر الباهية، وقد لعبت المناظرة الوطنية الأولى حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، والتي دعا لها ونظمها منتدى الحقيقة والإنصاف بشراكة مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، دورا مهما في تقليص الهوة ، انطلاقا من معالجة ملفات الانتهاكات التي وقعت خلال سنوات الرصاص في الصحراء على الخصوص، وتوج المجهود بتشكيل هيأة الإنصاف والمصالحة التي كرست منحى الحوار مع الصحراويين من خلال دينامية « الحقيقة والإنصاف والمصالحة »، والتي رغم أن جزء مهما من توصياتها لم ير النور، خاصة على مستوى إعمال ضمانات عدم التكرار وجبر الأضرار الفردية والجماعية والمجالية، فإن المغرب في طريقه إلى حل المشكلة الصحراوية ، التي تعيق اللحظة الديموقراطية، بشكل إيجابي ومنصف شريطة استكمال مقتضيات المقاربة الحقوقية، بإنشاء آليات الحماية والوقاية من التعذيب والاختفاء القسري، فلكي نبرهن على أن قضيتنا عادلة ونتخلى عن جلباب آبائنا، لا مناص لنا من تعديل المقاس والمعيار، وذلك عن طريق تحويل مطلب « تقوية الجبهة الداخلية » الذي استعمل في الماضي لتصفية المعارضة والحركة التقدمية والديمقراطية، إلى مطلب « تصفية الأجواء السياسية و البيئة الحقوقية » من أجل تقوية المد التقدمي والديموقراطي، ولأن المناسبة شرط فقد حان الوقت للإعلان عن « فضاء الصحراء للرصد والحوار » عما قريب، وهو إطار تمخضت فكرته من داخل المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف ، أيام كان يضم جميع الضحايا ومن مختلف ربوع الوطن، واحتضنها بعض مؤسسي المركز المغربي للديموقراطية والأمن.