الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

بوشعيب دوالكيفل: التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية.. علاقة جدليّة بين الفساد والإفلات من المساءلة

بوشعيب دوالكيفل: التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية.. علاقة جدليّة بين الفساد والإفلات من المساءلة

ارتفاع منسوب الفساد في التعاضدية العامة يسير بوثيرة متسارعة تستحق أن تسجل في كتاب غينيس، حيث تشير البيانات والإحصاءات والوقائع العديدة إلى تراجع متسارع لقيم النزاهة والمسؤولية لتترك الطريق لنشر قيم الانتفاعية والزبونية والمحسوبية، والمُقابل الممكن الحصول عليه إزاء استفادة غير مستحقة من ريع تعاضدي متواتر... وقد عزت بعض القرائن والشهادات هذا المنحى إلى تسيُد النفعية المقيتة، وإلى غياب مفهوم العدالة والديموقراطية في الممارسة التعاضدية والتعاقد الاجتماعي المفترض بين المنتخب والمنخرط، كما عزا بعضها الآخر أسباب القصور إلى فشل مسيري التعاضدية في بناء أسس مؤسسة حديثة تقوم على الممارسة الديمقراطية ولا شيء غيرها.

والآن وقد استوفينا تشخيص روافد الفساد في التعاضدية العامة ووقفنا على جيوب إعاقة التغيير والتطور المتجذرة في دواليب الوزارتين الوصيتين ( المالية والتشغيل)، اللتان تحولتا إلى بؤرة لحماية أوجه الفساد المتعدّدة في التعاضدية والإفتاء له ولأساليبه الاحتيالية، وارتقى هذا الفساد إلى كونه نتاج منظومة مؤسساتية مكتملة، عززها وكرسها غياب ثقافة حكم القانون، أحد المصادر الأساسية لانتشار الفساد في التعاضدية. ومما ييسر ديمومة هذا الفساد ويغديه هو تهرّب الحكومة عامة والوزارتان الوصيتان من تحمّل المسؤولية المنوطة بهم جميعا من لدن المشرع، دون أن ننسى ما تقوم به بعض وسائل الإعلام من تأدية دور سلبي حليف للفساد والمفسدين، بل يحق لنا التساؤل عم إذا أضحت الدولة تشكل بذاتها بيئة حاضنة للفساد، بعد أن تسترت عليه وضعفت أمام جبروته وشبكته الخطيرة. لذا لا تستغربوا إذا علمتم أن المغرب شهد ارتفاعاً في مؤشرات الفساد بين سنتي 2008 و2013، حيث انتقل من الترتيب الـ80 عالمياً إلى الترتيب 94 سنة 2013 في مؤشر الفساد ( محمد حركات في مداخلة له في ندوة " الفساد وإعاقة التغيير والتطوّر في العالم العربي"، التي صدرت أشغالها في كتاب عن «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» - 2015).

أمام هذا المد الخطير لفساد متجذر تُطرح بحدة أدوار النخب النظيفة  في مسار محاربة الفساد، وتحمُل مناهضي الفساد والمناضلين الديمقراطيين مسؤولية غياب طروحات سياسية واجتماعية ناجعة. لذا فإن دور النخب المثقفة ينبغي ألا يقتصر على التمتّع بالجرأة والتشهير بالفساد والفاسدين، كما لا يكفي الوعظ والتنبيه والتوعية، إنما يجب التمتّع بجرأة لاختراق مساحات الشأن العام لقلبها من داخلها.

إن مسرحية الانتخابات المخدومة في التعاضدية العامة، المقررة غدرا يوم 5 أكتوبر 2015، بشروط الخزيرات وبأساليب تذكر بعهد مظلم عاشته الممارسة الديمقراطية في المغرب لعقود، ما هي في الحقيقة  إلا حلقة في مسلسل للفساد والإفساد، الذي صار يتخذ شكلا مؤسساتيا يوظف شخوصا ومؤسسات يرصد لها المال المنفلت من المراقبة والمساءلة والمحسابة...

وحتى بعض وسائل الإعلام الذي من المفروض أنه  أداة للتنوير والاستنهاض وسلطة رقابية مجتمعية  ولكشف الحقيقة صار يتحول، بوثيرة مقلقة، إلى جسر ضخم  لتلميع صورة الضالعين في انتشار قيم الفساد والنفعية والانتهازية والوصولية بدل تكريس قيم المواطنة والتنوير وحماية المال العام والمرفق العمومي.

إن خطورة مسرحية الانتخابات المخدومة في التعاضدية لا تكمن فقط في فرزها كتلة من الأصوات تبارك الفساد وتضفي عليه أغطية من الشرعية المصطنعة والزائلة، بل في تحولها إلى زبائن يقبضون المقابل لمباركة الفساد وشرعنته والحصول، مقابل هذه الخدمة الانتهازية، على الفُتات الزائل، وترتفع درجة الخطورة إذا استحضرنا أننا إزاء تكريس قيم الانتفاعية والانتهازية والوصولية التي تضرب في العمق قيم التعاضد والتآزر. وبالمقابل يحصل الماسكون بزمام التدبير في مواقع المسؤولية على غطاءات بمثابة سلاليم للصعود على ظهور المنخرطين نحو آفاق تخدم مصالحهم، ما داموا حائزين تغطيات وحماية لوبيات ما فتئت تتناسل وتتضخم دون حسيب أو رقيب.