الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد بنلحسن: ظاهرة العزوف عن التصويت في الانتخابات

محمد بنلحسن: ظاهرة العزوف عن التصويت في الانتخابات

تعتبر الانتخابات بكل أنواعها، مناسبة هامة للمواطنين، من أجل ممارسة الحقوق السياسية التي يكفلها الدستور، كما أنها من المؤشرات القوية على مناخ الديمقراطية.

وهي مناسبة لا تتكرر إلا في سنوات محددة، لكن الظاهرة التي أصبحت أكثر إثارة للانتباه، تتمثل في العزوف عن ممارسة هذا الحق المكفول، هذا على الرغم من تقديم الدولة ، كافة الضمانات القانونية لتعزيز النزاهة والشفافية والحياد الإيجابي؛ وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن الأسباب الحقيقية لظاهرة العزوف...؟؟

هل العزوف عن التصويت خلال الانتخابات مهما كان نوعها، أمر عادي وطبيعي؛ مادامت تعرفه الديموقراطيات العتيدة والعريقة أيضا؟ ألا يعتبر العزوف ظاهرة سلبية؛ يمكن عدها تواطؤا غير متعمد مع الفساد الانتخابي؟

لكن السؤال الأهم هو، من المسؤول عن هذه الظاهرة التي تسيء للممارسة الديموقراطية؟

إن فقه دوافع السلوك الانتخابي للمواطنين بشتى أنماطه، يقتضي إجراء دراسة علمية، لكننا في هذا المقام، سنقتصر على تشخيص السلوك الحزبي، لمحاولة الإجابة عن الأسئلة الممضة التي تطرحها الظاهرة .

لاشك أن المتابع للمشهد الحزبي المغربي أيام قليلة قبل الموعد الرسمي لبدء إيداع الترشيحات الخاصة بالانتخابات الجماعية ليوم الرابع من شهر شتنبر المقبل، وخلال  بدء الحملة، قد سجل حالة الغليان الكبيرة التي عمت معظم مقرات الأحزاب المغربية تقريبا، غليان أعقبته استقالات فردية وجماعية من الأحزاب، والالتحاق الفوري بأحزاب أخرى، وفي بعض الأحيان يهاجر الأعضاء المرشحون من أحزابهم الرسمية التي مكثوا بها سنين طويلة، إلى أحزاب نقيضة، بل إن منهم من اختار بعد مغادرته مكرها لحزبه المعروف، نحو حزب الخصوم السياسيين؛ إن هناك من غادر حزبا ينتمي للأغلبية الحكومية حاليا، واتجه صوب الحزب الذي يوجد في المعارضة، والعكس صحيح...

وحين نتأمل دواعي ما يطلق عليه بالترحال السياسي من الأحزاب وإليها، نكتشف مباشرة أن السبب عائد للكيفية التي تمت بها صياغة اللوائح الانتخابية، وبالضبط هو الرتب التي منحت للمرشحين الغاضبين في اللوائح، فكلما وجد المرشح نفسه بعيدا عن المراتب الأولى، أو لم يجد اسمه وكيل في اللائحة الانتخابية، إلا وثارت ثائرته، وقرر على الفور، مغادرة سفينة الحزب، والتوجه مباشرة إلى حيث يمنح المرتبة التي ظل يبحث عنها!! بل إن هناك من غير أكثر من حزب في غضون أيام قليلة!

هذه السلوكات الغريبة، أضرت كثيرا بصورة الأحزاب السياسية، وهي صورة في الأصل، هشة ومشوهة لدى الكتلة الناخبة.

إن نزيف الاستقالات، والهزات الارتدادية التي أصابت أحزاب سياسية كبيرة بمناسبة الانتخابات الجماعية، مؤشر آخر يعزز تمثلات المواطنين عن الأحزاب السياسية ببلادنا، التي يعتبرها كثير من المتابعين بمثابة كائنات انتخابية تزدهر أيام المناسبات الانتخابية فقط.

وحين نحلل أسباب الانشقاقات التي زلزلت بعض الأحزاب، نجد أن المتضررين، يصرحون أن المراتب الأولى في اللوائح الانتخابية التي أعدتها بعض الأحزاب داخل بعض الجهات، قد منحت لغير مستحقيها من المناضلين، ومنهم من صرح جهارا، أن بعض الأحزاب السياسية، قد منحت التزكيات لمرشحين على رأس قوائمها، لذوي السوابق؛ من الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية، أو من يطلق عليهم هنا بأصحاب "الشكارة"؛ أي للذين لهم أموال طائلة .

كما أن بعض الأحزاب السياسية وضعت في مقدمة القوائم الانتخابية أسماء عائلية لزعماء حزبيين؛ حيث إن هناك من رشح ابنه أو أبنته، كما أن هناك من رشح زوجته أو صهره في مقدمة القوائم الانتخابية، مما جعل الغاضبين يحتجون وينددون بتفويت الأحزاب السياسية إلى الأسر، ضدا على معايير التزكية المنصوص عليها في القوانين الداخلية لتلك الأحزاب !!

هذه صورة مقتطفة من واقع السلوكات الحزبية إبان انطلاقة الحملة الانتخابية، وهي ولاشك تشي بدلالات منفرة بالنسبة للناخبين، من سلوك الفاعلين السياسيين الحزبيين... فأي ثقة سيمنحها الناخبون والناخبات لمرشحي نظير هذه المؤسسات؛ وهم يسمعون أنباء التصدعات الكبرى التي ضربت الأحزاب السياسية قبيل الانتخابات؟

إن التمثلات السلبية مع الأسف الشديد، التي يمتلكها المواطنون، عن الممارسة السياسية داخل المؤسسة الحزبية بمناسبة الانتخابات الجماعية، أو البرلمانية، أو انتخابات الغرف المهنية، تعتبر من أقوى العوامل المحفزة على العزوف عن التصويت .

إن هذه الوقائع المخجلة تدفعنا لمساءلة دواعي الانتماء للأحزاب السياسية؟؟

كما أنها تغري بالبحث في أسباب تأسيس الحزب السياسي، ومدى قدرته على المساهمة في التنمية جنبا إلى جنب مع مؤسسات الدولة.

إن مآزق الأحزاب السياسية، وأزماتها خلال المواسم الانتخابية، من أكبر المؤشرات على غياب الديمقراطية الداخلية، ومعايير الشفافية والمحاسبة.

وهذه السلوكات السلبية من شأنها ترسيخ العزوف عن الانتخابات بالنسبة للهيئة الناخبة؛ لأنها تشكك في مدى نزاهة الفاعل الحزبي، والذي برهن على فشله في انتقاء الكفاءات القادرة على الإسهام في الدفع بعجلة التنمية، وبناء عليه، فالعاجز عن تدبير شؤونه الداخلية، هو أكثر عجزا عن تدبير الشأن العام ...

إن تصحيح التصور بشأن فعالية المكون الحزبي بالنسبة للمواطن العادي، رهين بمدى مراجعة المؤسسات الحزبية لجدوى الوجود، مراجعة يجب أن تنطلق من حوافز الانتماء للمؤسسة الحزبية، فقد ساد تمثل مشوه وغريب لدى شرائح واسعة، مفاده أن مقرات الأحزاب السياسية تؤهل منتسبيها الظافرين بتزكياتها خلال الانتخابات، للحصول على المنافع المادية؛ وهذا مخالف للمقاصد الكبرى التي حددها القانون للانتداب .

المشاركة في تدبير الشأن العام عبر آلية الانتخابات البرلمانية والجماعية، لا يجب أن تصبح بالنسبة للأحزاب السياسية غاية في حد ذاتها، بل إن الانتخابات وسيلة لتمكين الأحزاب السياسية من الإسهام في تدبير شؤون المواطنين، وتنفيذ السياسات العمومية الكبرى لتحقيق التنمية والتقدم .

إن الأحزاب السياسية مطالبة بتأطير الجماهير بما يرفع من شأن البلاد، ويسمو بمعدلات التنمية، ولا يمكن لأحزابنا أن تضطلع بهذه الوظائف السامية، إذا لم يكن أعضاؤها قادرين على تجسيد هذه المبادئ على أرض الممارسة..

السؤال الذي يطرح ها هنا، ما عواقب تزايد ظاهرة العزوف عن التصويت خلال الانتخابات؟

إن تنامي أعداد العازفين خلال كل عملية انتخابية، من شأنه تشجيع عملية إفساد الانتخابات، والمساس بمصداقيتها، ونتائجها...

إننا حين نعزف عن التصويت في الانتخابات، نظن أن ضمائرنا ستكون مرتاحة لأننا لم نشارك فعلا في تزكية من لا يستحقون الفوز بالمقاعد المخصصة للمرشحين في المجالس والجماعات والجهات، وأننا لم نساهم في نجاح المفسدين الذين جعلوا الفعل الانتخابي غنيمة لانتزاع المنافع لهم، لكن بماذا نفسر صعود هؤلاء المرشحين غير الأكفاء لتسيير جماعاتنا، وتمثيلنا في المجالس المنتخبة على الرغم من مقاطعتنا ؟

هل صحيح أننا إذا خاصمنا صناديق الاقتراع، ونبذناها خلف ظهورنا؛ سنحول دول بلوغ الفاسدين المناصب التي لا يستحقونها؟؟

إن فعل المقاطعة، عادة ما تكون له في الواقع، نتائج عكسية وخيمة... لماذا؟

لأن إمساك المواطنين عن القيام باختيار ممثليهم، والذين يرفضون بيع ذممهم لسماسرة الانتخابات، حين يتراجعون للخلف، ويتوارون عن مسرح الاقتراع، كما هو حاصل دائما عند كل عملية تصويت، فإنهم بذلك يفسحون المجال أمام غير المستحقين للظفر بالمقاعد والمناصب، هؤلاء الذين يستطيعون بواسطة ماكيناتهم الانتخابية، واستعمال المال، استقطاب المواطنين المحتاجين، والأميين الذين يسهل استدراجهم للصناديق...