الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

السفير عبد القادر زاوي:الجيوش العربية ...تباين المسارات غداة الثورات

السفير عبد القادر زاوي:الجيوش العربية ...تباين المسارات غداة الثورات

شكلت ثورات الربيع العربي واحتجاجاته حدثا ضخما وجللا، واعتبرت بركانا ما تزال حممه تتقاذف في كل الاتجاهات. وإزاء حدث بهذا الحجم لم يكن كافيا استنفار قوى الأمن وأجهزة المخابرات وحدها للتعامل مع أطواره والسعي لسبر أغواره، ولكن الأمر تطلب استدراج القوات المسلحة لمتابعته، وخاصة في البلدان التي احتدم فيها الحراك الشعبي، وارتدى أبعادا مصيرية كانت سترتد سلبا على كيان الدول نفسها، وما يزال تهديدها ماثلا.

ولم يكن هذا الاستدراج مستغربا ولا مستهجنا، بل إنه كان مطلوبا شعبيا في بعض الأحيان، وذلك استنادا على مجموعة من الاعتبارات الموضوعية والتاريخية والمعطيات الميدانية الآنية. فالقوات المسلحة كانت دائما إما عمودا فقريا  للأنظمة العربية أو مؤسسة فاعلة في إطارها، وذلك بالرغم من طابعها المغلق والكتوم في معظم الحالات، وبالرغم من محاولات تهميشها وإلهائها لفائدة تقوية أدوار قوى أمنية موازية.

ولهذا نجد أن العديد من القادة العرب الذين تركوا بصمات متباينة الشكل في تاريخ بلدانهم منذ الاستقلال إلى الآن هم خريجو هذه المؤسسة، وأتوا للسلطة على دباباتها أو بمباركة من قياداتها (جمال عبد الناصر وحسني مبارك / مصر)،(هواري بومدين، الشاذلي بن جديد واليمين زروال / الجزائر)،(امعمر القذافي / ليبيا)،(حافظ الأسد / سوريا)،(علي عبد الله صالح / اليمن)،(جعفر النميري، عمر حسن البشير / السودان)،(معاوية ولد سيد احمد الطايع ومحمد ولد عبد العزيز / موريتانيا).

واللافت للانتباه أكثر أنه حتى في ظل الأنظمة المغايرة للأنظمة العسكرية كانت الحياة المدنية تضطر إلى اللجوء للجيوش لتأمين نوع من التوافق السياسي داخليا، كما حصل في لبنان حيث جيء بآخر رئيسين للجمهورية من المؤسسة العسكرية (إميل لحود وميشال سليمان)، وكما يلاحظ عند الاستعانة بضباط من الجيش في مناصب مدنية يتطلب تسييرها في ظروف معينة نوعا من الحزم والنجاعة، كالولاة ومحافظي الأقاليم ورؤساء الاتحادات الرياضية وحتى الأندية الكروية.

إن هذا المعطى الموضوعي جعل القوات المسلحة في العديد من الدول العربية تلعب أدوارا طلائعية في لحظات تاريخية مفصلية لقمع العديد من الاحتجاجات الشعبية وحركات التمرد أو العصيان، واستعادة هيبة الدولة وتثبيت الأمن، كما يستشف من أحداث مدينة حماة السورية سنة 1982، وتمرد وحدات الأمن المركزي في مصر سنة 1986، وأحداث مدينة معان جنوب الأردن سنة 1989، وتدخل الجيش الجزائري في بداية التسعينات لإجهاض العملية الانتخابية التي كانت ستقود حينها إلى اكتساح الإسلاميين للسلطة.

وبمثل هذه الخلفية التاريخية، وأمام ضخامة الهبات الشعبية في الربيع العربي كان منتظرا أن تلعب القوات المسلحة أدوارا محورية. وكما عكست الثورات والاحتجاجات خصوصية كل ساحة عربية على حدة، فإن تدخلات الجيوش العربية لم تكن على نمط واحد، وإنما اتخذت أشكالا متعددة تنسجم مع بنياتها الهيكلية، ومكانتها داخل مجتمعاتها، وضمن مؤسسات الدولة التي تنتمي إليها ؛ ومن ثم تباينت مصائر كل واحدة منها.

*ففي تونس، حيث ظل الجيش دائما بعيدا عن أروقة السلطة وشؤون السياسة اليومية، معتكفا في ثكناته لعبت قيادته عند الحاجة دورا جوهريا في تجنيب البلاد حمام دم إثر اندلاع الثورة الشعبية في 17 دجنبر 2010، وذلك بامتناعه عن التدخل بقوة لإخماد التحركات الجماهيرية المندفعة نحو العاصمة من مختلف الأقاليم، وبترحيل الرئيس زين العابدين إلى الخارج، لا يهم إن كان ذلك قد تم بإقناعه أم بإرغامه.

واستطرادا فقد عمل الجيش التونسي على التأكيد منذ البداية أنه بلا طموحات سياسية، وعلى تسهيل دخول البلاد في مرحلة انتقالية جد صعبة، حرص في ذات الوقت على عدم الانغماس فيها، وفي دهاليز المناورات السياسية التي شهدتها في نوع من التقيد بالأعراف التي تشكل على هديها منذ البداية. ولكن في المقابل لم يتردد في القيام بدوره كاملا في محاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي حاولت وما تزال سرقة الثورة واغتيال التجربة الديمقراطية المنبثقة عنها على علاتها.

*أما في مصر فقد امتنع الجيش أيضا منذ البداية عن مواجهة الثورة الشعبية تماما كما فعل الجيش التونسي، ولكن لدوافع مغايرة على الإطلاق، مكتفيا  بتأمين المنشآت العامة، والمساهمة قدر المستطاع في ضبط الأمن العام المنفلت، ساعيا إلى الحفاظ على مكانته السامية والشرعية لدى الشعب، ومؤمنا مكتسباته وامتيازاته الاقتصادية والإنتاجية والاستثمارية، التي كانت من بين العوامل التي أملت موقفه الحيادي في بداية ثورة 25 يناير 2011.

 وعلى هذا الأساس سلك الجيش المصري في المرحلة الانتقالية طريقا مخالفا بالمرة للتجربة التونسية، حيث لم ينأى بنفسه عنها وإنما انغمس فيها كلية ؛ سيما بعد أن تنازل الرئيس حسني مبارك عن السلطة لفائدة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. فهذا التنازل وضع الجيش المصري في قلب المعترك السياسي، حيث كان عليه ترتيب الأوضاع سياسيا وأمنيا وتشريعيا، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية سلم إثرها السلطة لرئيس منتخب من الشعب.

ولكن بمجرد تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية مجددا وتوجه جموع الشعب إلى الميادين مرة أخرى وجد الجيش نفسه مضطرا إلى التدخل في الحياة السياسية منقلبا على المؤسسات المنتخبة، فارضا مرحلة انتقالية جديدة أنهاها باختيار أكبر قادته رئيسا للجمهورية بعد أن زكته هو الآخر انتخابات عامة.

وبهذا السلوك المدعوم جماهيريا أكدت المؤسسة العسكرية المصرية أنها بما تتمتع به من تماسك، وما تحظى به من ثقة شعبية هي المرجعية العليا والوحيدة للدولة، مسخرة كافة المراجع المحتمل أن تنافسها في ذلك خاصة الدينية كالأزهر الشريف ضمن آليات تثبيت شرعيتها، خاصة بعد أن نزلت بكل ثقلها في محاربة الإرهاب والتطرف الذي يقض مضاجع البلاد، ويوجه ضربات موجعة لها اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، مهددا وحدة البلاد انطلاقا من سيناء التي تعتبر منطقة رخوة في البلاد.  

*وخلافا للجيش المصري وتماسكه، وتمكنه من فرض نفسه سلطة أعلى في البلاد، فإن جيوشا عربية أخرى كانت تبدو حريصة على محاكاته فقدت سريعا ما كان قد تبقى لها من شرعية وهيبة في مجتمعاتها بعد أن انقسمت على نفسها، وتشظت ما بين موال للأنظمة مدافعا بشراسة عليها، وبين منشق عليها ملتحق بالثورات الشعبية مثلما حصل في سوريا واليمن وليبيا، حيث غلبت فصائل عسكرية عديدة انتماءاتها الدينية والمذهبية والقبلية والمناطقية على ما سواها من انتماء وطني ظهر أنه كان موجودا على الورق فقط.  

بدا هذا الأمر جليا عندما رفضت وحدات عديدة من الجيش النظامي السوري المنتمية للمذهب السني ( مذهب أغلبية سكان البلاد ) أن يزج بها النظام في مواجهة التظاهرات الشعبية لقمعها واستعادة الأمن وتثبيته، مفضلة الانشقاق وتأسيس ما سمي بالجيش السوري الحر للدفاع عن الثورة الوليدة، التي كان يخطط هذا الجيش لقيادتها وتسلم دفة القيادة فيها.

ومع اشتداد المعارك وتواصلها لأزيد من أربع سنوات وانخراط جهات عديدة فيها من بينها مخابرات دول وتنظيمات متشددة تناسلت سريعا ليتجاوز عددها 150 فصيلا، خسر الجيش السوري النظامي الكثير من أفراده بين قتيل وهارب ومنشق، لتظل فقط نواته الصلبة الموالية للنظام مكونة من أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس وبعض الأقليات الأخرى الخائفة على مصيرها، آملة تأمين جزء منه عبر الممكن من تحالف الأقليات.

وأمام وضع كهذا لم يجد النظام بدا من الإعلان صراحة عن هويته الطائفية وطابعها كأقلية بالإشارة إلى أنه مضطر للتخلي عن بعض المناطق والانكفاء في المناطق المأهولة أو "سوريا المفيدة" كما سماها الإعلام الموالي له، نظرا للنقص البشري الذي يعانيه، وذلك على الرغم من استعانته بخبراء روس، وبميليشيات حزب الله اللبناني وعصائب الحق العراقية، وعناصر من فيلق القدس الإيراني، وهي كلها شيعية المذهب، سمح لمن يقف وراءها بالنشاط الديني لنشر مذهبها على نطاق واسع.

لقد أبرزت الأزمة السورية أن الانقسامات المذهبية والطائفية والعرقية عميقة للغاية في الشرق الأوسط حيث لم تستطع أي من مؤسسات الدولة الحديثة صهرها في بوتقة هوية وطنية جامعة بما في ذلك مؤسسة القوات المسلحة، التي أريد لها أن تكون مدرسة عقائدية منضبطة بعدو خارجي هو إسرائيل التي يجب التفكير فيها قبل أي شيء، وبغطاء علماني لتبرير سيطرة الطائفة العلوية على مراكز الجيش الحساسة، وقواه القتالية بدعوى الكفاءة والجدارة بعيدا عن الانتماء الدوني.

*إن التشظي الذي عرفه الجيش السوري على أساس مذهبي في مجمله رفضا لهيمنة الطائفة العلوية عليه، سيعيشه الجيش اليمني مباشرة بعد اندلاع ثورة الشباب في الربيع العربي ولكن بنكهة مختلطة قبلية ومذهبية جسدها باكرا إعلان اللواء علي محسن الأحمر انشقاقه عن نظام الرئيس علي عبد الله صالح، وانضمامه للشباب، فيما استمر الحرس الجمهوري لأسباب قبلية أيضا أكثر ألوية الجيش ولاء للرئيس صالح ونجله الذي كان قد أشرف على إعادة تكوينه.

وسيظل هذا الولاء متواصلا سيما وأن وحدات هذا الحرس الجمهوري كلها من قبائل في شمال اليمن موالية للرئيس علي عبد الله صالح أو متحالفة معه، وزيدية المذهب مثله. وقد أنشأها على هذا الأساس وضخم وجودها على حساب القوات المسلحة التقليدية تنفيذا لأحد الدروس المستفادة من حرب انفصال الجنوب سنة 1994 التي شهدت عصيان قيادات ووحدات جنوبية انضمت للحزب الاشتراكي اليمني في مشروعه لإعادة إحياء جمهورية اليمن الجنوبية.

  وتشهد الأحداث الأخيرة في اليمن إثر زحف الحوثيين على العاصمة وطرد السلطة الشرعية بتحالف مع الرئيس السابق عن استمرار هذا الولاء حيث قاتلت وحدات الحرس الجمهوري بضراوة إلى جانب الحوثيين، وما تزال تقاتل إلى جانبهم ضد قوات التحالف العربي، وتمدهم بما لديها من خبرات في مواجهة الضربات الجوية لهذا التحالف ؛ الأمر الذي مكن الرئيس علي عبد الله صالح من مواصلة المناورة على الساحة اليمنية رغم تنازله مرغما عن السلطة تنفيذا للمبادرة الخليجية التي عمل على إجهاضها فيما بعد.

إن التشرذم الذي أصاب الجيش اليمني وانقسامه إلى فصائل متناحرة تفضل انتماءاتها المناطقية والقبلية والمذهبية يجعله غير قادر أن يلعب في المستقبل دور العامل الموحد لمكونات المجتمع التي يجري تقطيع ما تبقى من وصال فيما بينها. وما دعوة نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء التابع للشرعية المعترف بها دوليا في اليمن إلى إعادة تكوين جيش يمني جديد على أسس مهنية إلا دليل على ذلك. ولكن مجريات الأمور تشي بأن أزمة اليمن على غرار غيرها من أزمات المنطقة لن تجد طريق الحل غدا.

*وعلى غرار الأسلوب اليمني في تضخيم الحرس الجمهوري على غيره من وحدات القوات المسلحة، فإن العقيد القذافي عمل على إضعاف الجيش الليبي رغم أنه هو شخصيا خريج وحداته لخشيته من محاولة الانقلاب عليه. وقد تم ذلك بشكل منهجي ومتدرج لفائدة "ميليشيات الثورة" التي أرادها وحدات نخبة تدين بالولاء التام له، فاصطفى أعضاءها من أبناء قبيلته، ومن أبناء القبائل الصغيرة النائية، التي لا طموحات سياسية لها، وأوكل قيادتها لأبنائه وأقربائه.

وطبقا للمعطيات القبلية والمناطقية السالفة لم يكن مفاجئا البتة الانهيار السريع والمريع للجيش الليبي مع اشتداد أوار الثورة الليبية ، ثم تشتت وحداته وتفككها بمجرد بدء الهجمات الجوية للتحالف الدولي الذي قاده حلف الشمال الأطلسي. أكثر من ذلك فإن بعض وحدات هذا الجيش انشقت سريعا، وانضم العديد من أفرادها إلى كتائب الثوار خاصة أولئك المنحدرين من شرق ليبيا وبالتحديد مدينة بنغازي، ما سهل عملية تقويض باقي أجهزة الدولة وفقدان النظام للعديد من المناطق.

ورغم أن المجلس الوطني الانتقالي الذي أشرف على المرحلة الانتقالية الأولى في ليبيا بعد سقوط نظام العقيد القذافي حاول تجميع القوات المسلحة، فإنه فشل في ذلك مع رفض الثوار الانضمام في كتائب واحدة مع فلول جيش العقيد الذين تمكن اللواء خليفة حفتر من جمع عدد منهم مستفيدا من دعم دولي وإقليمي ملموس، ومن الشرعية التي أسبغتها عليه حكومة طبرق المعترف بها دوليا من أجل محاربة مختلف التنظيمات المتشددة كداعش وثوار بنغازي، وثوار فجر ليبيا الموالين بصورة عملية للحكومة المقيمة في طرابلس.

وفي سياق هذا الوضع لا شك أن إعادة تشكيل الجيش الوطني الموحد في ليبيا وإدماج الثوار على اختلاف انتماءاتهم السياسية والمناطقية والقبلية فيه ستكون أهم عقبة تعترض حكومة الوحدة الوطنية المؤمل انبثاقها عن حوار الصخيرات. وقد تعصف هذه العقبة الكأداء بكل ما تحقق من نتائج إيجابية في ماراتون التفاوض الجاري تحت رعاية الأمم المتحدة، سيما وأن حوار الصخيرات ملغوم بكثرة وتضارب التدخلات.

..................

إن الاستثناء الذي مثله الجيش التونسي بالابتعاد عن المجال السياسي لن يؤثر كثيرا في الاتجاه العام في معظم الأنظمة العربية الجمهورية بصفة خاصة، حيث تواصل المؤسسة العسكرية لعب أدوار طلائعية في أجهزة الدولة مباشرة أو من خلف الستار عبر مسؤولين يحظون بالثقة الكاملة لديها، سيما وأن التغيرات متسارعة في المنطقة بشكل يجعل التقديرات والتنبؤات صعبة ونسبية، مشوبة بالأخطاء لا محالة، وأن التحديات الأمنية تزداد يوما بعد يوم أمام الأنظمة، فيما أجهزة الشرطة تبدو منهكة ومغلوبة على أمرها في الكثير من الحالات.

وإزاء استمرار التحديات وتنوعها من غير المستبعد أن الجيوش القابعة حاليا تدير اللعلبة السياسية خلف الستار ستجد نفسها مضطرة إلى الخروج إلى العلن. ويرجح خبراء غربيون أن الجزائر قد تكون النموذج الأقرب في هذا الاتجاه، خاصة بعد أن بدأت تعاني أزمات مستعصية اقتصادية واجتماعية جراء انخفاض أسعار البترول، تزداد تفاقما مع تدهور الحالة الصحية للرئيس، وارتباك ترتيبات تهيئة خليفة له، ناهيك عن تهديدات داعش.

لقد أعلن هذا التنظيم الإرهابي صراحة على لسان فرعه المغاربي أن أفراد الجيش الجزائري "سيكونون حطب الحرب المقبلة التي إن اشتعلت في الجزائر، فلن يخمد أوارها حتى نصل (أي داعش) إلى الأندلس فاتحين.. ". ولا شك أن هذا التهديد قد يكون فرصة أمام الجيش الجزائري ومبررا له للتقدم إلى الواجهة على غرار التجربة المصرية، حتى يستعيد هيبته التي تلطخت كثيرا إثر فشله وفشل الاستخبارات أيضا في توقع حادثة تيكينتورين سنة 2013، وما خلفته من ضحايا أجانب ومواطنين.

وإذا أخذنا المعطى الجغرافي في حلم الوصول إلى الأندلس بعين الاعتبار فيما يصدر عن داعش، فإن المغرب يغدو معنيا مباشرة بهذه التهديدات الداعشية المغموسة بسعي محموم لتنفيذ عملية استعراضية ضخمة تثير الرعب والشكوك في القدرات الأمنية المرصودة لمواجهتها، وبثأر كبير للتنظيم الإرهابي في المنطقة المغاربية بعد تساقط العديد من خلاياه حتى قبل تحركها ميدانيا.

ومع استمرار سرطان داعش في التمدد، ومعه العديد من التنظيمات التي تسير في ركابه أو على منواله، فإن نيران المنطقة العربية لن تخمد سريعا، وستزداد اشتعالا وتأججا وقد تطال مناطق أخرى، سيما وأن شظايا هذه النيران ترتدي يوما بعد يوم بعدا عالميا، كما يستشف من مأساة اللاجئين المتهافتين على القارة الأوروبية عبر كل المنافذ، رغم ما يحمله هذا التهافت من مغامرة ومخاطرة.

إن الصراعات في المنطقة لم تعد في حقيقتها دينية ومذهبية وعرقية، فهذه وتلك مجرد أسمال تبرر تصرف هذا ورد فعل ذاك، وإنما باتت الصراعات مصيرية تتعلق بالكيانات السياسية نفسها، ما يجعل كل الاحتمالات ممكنة، وأهمها المزيد من انغماس الجيوش في الحياة السياسية لبلدانها، وفي إدارة الشؤون العامة فيها، وحسب الإرهاصات الأولى المرصودة فإن ذلك سيجري بإرادة القوى السياسية الحاكمة. 

أليست الزيادات المتوالية في الإنفاق العسكري في منطقة الشرق الأوسط خير مؤشر على هذا التوجه ؟ لقد بلغ مجموع الإنفاق العسكري في المنطقة سنة 2014 ما يوازي 96 مليار دولار بزيادة قدرها 5,2% عن سنة 2013 و57% منذ سنة 2005 ، في الوقت الذي تحتاج فيه برامج تنمية المنطقة كل دولار فائض عن الحاجة.