السبت 21 سبتمبر 2024
خارج الحدود

مخاوف في الجزائر من تداعيات إزاحة الجنرال توفيق على معركة الإرهاب

مخاوف في الجزائر من تداعيات إزاحة الجنرال توفيق على معركة الإرهاب

أحدث قرار إزاحة الجنرال محمد مدين عن جهاز الاستخبارات في الجزائر صدمة لدى الطبقة السياسية، رغم أنه كان متوقعا منذ فترة، ويثير هذا القرار مخاوف كبيرة من تداعياته على الحرب على الإرهاب الآخذ في التوسع على حدود البلاد.

لا تزال عملية التغييرات الجوهرية التي خضع لها جهاز الاستعلام والأمن (المخابرات) تلقي بظلالها على المشهد السياسي في الجزائر، بالنظر للغموض الذي رافقها، والمخاوف من تداعياتها خاصة على صعيد مكافحة الإرهاب.

وتواجه الجزائر تحديات أمنية كبيرة في ظل انتشار الجماعات الإرهابية على جنباتها من مالي إلى لبيبا وصولا إلى تونس.

ومن شأن هذه التغييرات التي استهدفت رأس هرم الجهاز الجنرال محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق، أن تؤثر على عمل الجهاز الذي ظل الجنرال متحكما به لأكثر من 25 سنة، والذي نجح إلى حد كبير في التصدي لظاهرة الإرهاب.

وحذرت زعيمة حزب العمال لويزة حنون، من أن تتحول التغييرات العميقة في جهاز الاستعلامات، إلى أفكار جديدة للتنظيمات الإرهابية المتربصة بالجزائر وعلى رأسها تنظيم داعش، في إشارة لتأثير التغييرات على تماسك وعقيدة جهاز الاستعلامات في محاربة الإرهاب وتقفّي آثار التنظيمات الجهادية.

وقالت حنون “قرار إحالة مدير دائرة الاستعلام والأمن الفريق محمد مدين على التقاعد، كسر التوازنات في أعلى هرم الدولة، التي لطالما حافظ عليها الرئيس بوتفليقة منذ صعوده إلى سدة الحكم، ومالت الكفة اليوم بصفة خطيرة لصالح جهة ما”، وهي الجهة التي ما انفكت حنون تنتقدها بشدة وتصفها بـ”الأوليغارشية” و"لوبيات المال الفاسد".

وأضافت "لا نحن ولا المواطن ولا الصحفيون والمتتبعون يفهمون مغزى هذا القرار وكل القرارات المتعلقة بجهاز الاستعلامات، وبوتفليقة الذي أعرفه ومنذ مجيئه إلى الحكم مصرّ على الحفاظ على التوازنات في أعلى هرم الدولة، فهو حتى عند إقراره قانون المصالحة الوطنية اعترف بأنه ناقص، ولكنه قال إن هذا ما أوصلنا إليه ميزان القوى، واليوم هذه التوازنات تصدعت ومالت الكفة لصالح تيار بعينه".

وفي إشارة لغموض قرار تنحية الجنرال توفيق من جهاز الاستعلامات، روت حنون ما دار بينها وبين بوتفليقة، في لقاء لها معه بعد الهجوم الذي شنه أحمد سعداني على الجنرال توفيق في فبراير 2014، قائلة "وجهت للرئيس ثلاثة أسئلة: أولها إن كان توفيق قد ارتكب أيّ جريمة، فرد الرئيس بلا وبأنه يحافظ على سيادة البلد كثيرا، وأحيانا إلى حد مبالغ فيه، وثانيها إن كان قد فشل في مهامه، فقال بوتفليقة لا وتحاليله ذكية جدا وصائبة، وثالثها إن كان قد قام بتبديد المال العام، فرد بوتفليقة بالنفي قطعا".

وختمت حنون بتساؤل مشروع ما الذي حدث إذن، لماذا أقاله بوتفليقة وهو الذي حذّر مطلع العام الماضي من مغبة المساس بالجهاز أو بالجنرال توفيق؟

والتزمت السلطة والدوائر المقربة منها الصمت حيال قرار إقالة الجنرال محمد مدين، فيما ذهب محللون إلى القول بأن الصراع الدائر بين جهاز الاستعلامات والسلطة هو السبب الرئيسي خلف الإقالة.

وبرروا هذه القراءة بالمنحى الذي شهدته العلاقة بين الجهازين خلال السنوات الأخيرة، حيث أن الجنرال توفيق لم يكن يرغب في ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة، وقبلها قام الجنرال بجملة من الخطوات عدها محيط الرئيس استهدافا له كإحالة عدد من المسؤولين إلى التحقيق في تهم “فساد مالي”، ولعل قضية وزير الطاقة شكيب خليل الشاهد على الصراع بين الجانبين.

ويتبنى سياسيون جزائريون هذه القراءة، حيث اتهم رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، السلطة بانتهاج سياسة “تصفية الحسابات” في إدارة صراع أجنحتها، وأدرج قرار تنحية الجنرال محمد مدين (توفيق) من على رأس جهاز الاستخبارات بعد 25 سنة من الخدمة والنفوذ، في خانة صراع مؤسستي الاستعلامات ورئاسة الجمهورية، مستدلا على ذلك بـ "غياب الشفافية والأطر الديمقراطية التي تبرر مزاعم تمدين الدولة".

وقال بلعباس "التغيير الجاري في جهاز الاستخبارات منذ عامين، وإقالة الرجل القوي في الجهاز، لا يعكس أيّ مسعى لإرساء قواعد الديمقراطية والحريات، فالبوليس السياسي ما زال يخنق مبادرات ونشاط الفعاليات السياسية، ويُضيق الخناق على أحزاب المعارضة، وما يزال التظاهر محظورا في العاصمة وقوات الأمن تُعنّف المناضلين والنشطاء، وحتى النشاطات النخبوية داخل القاعات تمنع بحجج واهية".

وتابع “لو كان للسلطة أيّ نية لتمدين الدولة، لأخضعت مسألة التغيير في الجهاز الأمني للنقاش الديمقراطي ليشمل كل الفاعلين، ولإطار قانوني يحدد المهام والصلاحيات والنمط العملي لتعيين وعزل المسؤولين، خاصة في ظل الظروف الداخلية والإقليمية الاستثنائية، التي تفرض رصّ صفوف الجبهة الداخلية عبر استقرار سياسي واجتماعي يشارك فيه الجميع".

وتجزم مصادر مطلعة بأن العديد من الأحزاب والجمعيات والنقابات وحتى وسائل الإعلام ولدت من رحم الجهاز، الذي كان يهيمن على مفاصل المجتمع ومؤسسات الدولة، في إطار رغبة التوازن التي كان الجنرال السابق يلح على إقامتها مع مؤسسة الرئاسة وفي إطار استراتيجيته لإحكام القبضة على المشهد العام في البلاد.

وتقول المصادر إن الرصيد السياسي لمرحلة ما قبل 14 سبتمبر الجاري، ينطوي على بصمات واضحة للجنرال، تتجلى في استراتيجيات ومواقف قطاع عريض من الطبقة السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام في التعاطي مع المستجدات والملفات المطروحة، من خلال الإيعاز لها بتبني مواقف معينة، مما يعني أنها كانت تعكس رؤية رجل الظل السابق. ودعا رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس بداية من 4 أكتوبر إلى سلسلة من المظاهرات والمسيرات في مختلف محافظات الجمهورية، للمطالبة بالتغيير السياسي وفرض الانتقال الديمقراطي على السلطة.

وتشهد العاصمة الجزائرية والمدن الكبرى حالة تأهب أمني، تجلت في انتشار لافت لأفراد الأمن في مختلف المواقع الحساسة والأحياء الشعبية، أدرجتها تصريحات رسمية في تأمين الدخول الاجتماعي، بينما ذكرت مصادر مستقلة بأن الأمر يرتبط بمخاوف السلطة من أيّ انفجار شعبي نتيجة التدابير التقشفية التي تعتزم الحكومة تطبيقها مع مطلع العام المقبل، لمواجهة تداعيات الأزمة النفطية، واستباق أيّ ردود فعل مفتعلة على التغييرات المهمة في جهاز الاستخبارات.

وتتزامن دعوة حزب التجمع للتظاهر، مع ذكرى الخامس من أكتوبر 1988، حيث عاشت الجزائر حينها انتفاضة شعبية شاملة، أرغمت الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، على إنهاء عهد الأحادية، وهو ما يعيد طيف الذكرى إلى الأذهان بعد مرور 27 سنة عليها، ويهدد باستنساخ نفس السيناريو، في ظل تشابه الظروف الاجتماعية والاقتصادية بين المحطتين.

(عن "العرب" اللندنية)