الخميس 25 إبريل 2024
منبر أنفاس

عمر دغوغي: بلورة العمل الجمعوي

عمر دغوغي: بلورة العمل الجمعوي

هذه فرصة لكي نعرف مدى أهمية العمل الجمعوي في عالمنا وخيره وشره، عندما نقدم على عمل خيري فتضيع فيه وقتا طويلا وفي الأخير يقال أنه ضياع للوقت، ما العمل للنهوض بالعمل الجمعوي عند الشباب وإبراز كل طاقاتنا من أجل هدف سامي خيري بالدرجة الأولى.

العمل الجمعوي سهل وصعب:

يدخل العمل الجمعوي ضمن المؤسسات الاجتماعية والثقافية، ويشكل دعامة للمجتمع بخلق الأجواء الملائمة لتأطير الشباب لبناء مجتمع مسئول يساهم في التنمية والتغيير والعمل على إدماج الشباب في عملية النمو الاجتماعي وفتح المجال للإبداع وإبراز قدرات الشباب على الخلق والابتكار لجعله أداة قوية للمشاركة ويتحمل المسؤولية مدركا لدوره في المجتمع بلورة إرادته للمشاركة في التطور والرقي وجعله مواطن محب لوطنه متشبع بقيم المواطنة.

ولكون الإنسان اجتماعي بطبعه فلابد من توفير حاجياته وذلك ما عبر عنه العلامة ابن خلدون في قولته (إن الاجتماع الإنساني ضروري) والتطور التاريخي للإنسانية، جعل الأسرة غير قادرة على القيام بجميع وظائفها التي كانت توفرها العائلة الشيء الذي أدى إلى ظهور عدة مؤسسات اجتماعية لتكمل عمل الأسرة. هذه المؤسسات التي تدخل الجمعيات لتشكل أحد الشروط الأساسية لبروز وتدعيم مجتمع مدني مسئول، يشارك في نمو الوطن.

أهداف الجمعيات:

أهداف جمعيات الشباب لا يمكنها أن تخالف الآداب العامة والأخلاق الحميدة فهي أهداف تسعى دائما إلى نشر الوعي الفردي والجماعي عن طريق فتح المجال أمام الشباب للتعبير عن رغباتهم والتعرف على العالم الخارجي، وصقل المواهب وتطوير المعارف أو المساهمة في التنشئة الاجتماعية وخلق روابط الصداقة بين الشباب المغربي.

كما تساهم في التوعية بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلاد. وتختلف أهداف الجمعيات حسب نوعيتها أو تخصصها فجمعيات الأوراش تختلف أهدافها عن الجمعيات الثقافية أو الرياضية. وهكذا فكل جمعية تحاول الوصول إلى أهدافها عن طريق ممارسة نوع من التخصص الشيء الذي يميزها عن باقي الجمعيات الأخرى وهذا شيء طبيعي يدفع بالجمعيات إلى المنافسة البريئة والاجتهاد والعمل المتواصل.

كما أن للجمعيات دور أساسي في تلقين الشباب روابط أخلاقية واجتماعية من خلال إفادتهم بأهدافهم الذاتية وهذا ما تسعى كل جمعية إلى تحقيقه خاصة الجمعيات الثقافية والفنية، فهي أيضا تساعد الفرد في نموه الفكري والعقلي حينما تنظم محاضرات وندوات ومناظرات ثقافية، فتلبي بذلك حاجات الشباب المتعطش للعلم والمعرفة، وكذلك بتحقيق أهدافهم الاجتماعية، فنظام الجمعية وعاداتها تشابه إلى حد ما نظام المجتمع مما يجعل الأفراد قادرين على الاندماج في المجتمع ونظامه بسهولة ليصبحون أعضاء نافعين يشاركون في التنمية.

فإذا كانت الحاجة ملحة إلى إنشاء مؤسسات تنشئة مكملة وموازية لمؤسستي الأسرة والمدرسة، ومزاحمة لتأثير الشارع على تربية الناشئ فإنه بات من الضروري ابتداع نوع مغاير من التعامل على ما هو الحال داخل الأسرة أو داخل المدرسة إنه نموذج العمل الجمعوي الذي يعتبر نوعا متقدما من أنواع التنشئة الاجتماعية.

وبخصوص عزوف الشباب عن الانخراط في الجمعيات له أسبابه والمتمثلة في العديد من الإكراهات ندرج البعض منها:

- التخوف من العمل الجمعوي بسبب ما توصل به من انطباعات سيئة من خلال زملائه.

- الجهل بحقيقة العمل الجمعوي.

- غياب برامج تستجيب لحاجيات الشباب في التأطير والتكوين والتأهيل

- ضعف التأطير وغياب الحوار واحترام رأي الآخر.

- الافتقار للتجهيزات والإمكانيات الضرورية للاشتغال.

- ضعف الموارد المالية.

- قلة الحصص الزمنية المخصصة لنشاط الجمعية.

- محدودية القاعات مع تحكم مجلس دار الشباب في توزيعها.

- انعدام الإبداع والمبادرات.

- تكرار نفس الأنشطة وعدم التجديد يخلق الملل لدى المنخرطين.

- الحضور المتذبذب للأطر المسئولة عن تطبيق البرامج أو التسيير.

- عدم تقدير المسؤوليات.

إن العمل الجمعوي كمكون من مكونات المجتمع المدني مازال يفتقر إلى العديد من الدراسات والأبحاث السوسيولوجية التي يجب أن تجتهد قدر الإمكان في توجيه جانب من اهتماماتها في خدمة هذا القطاع.

ونجاح عملية التطور رهين بمدى وعي الجمعويين بمسألة تقييم المشاريع والتجارب السابقة وإعادة النظر فيها، كما أنها مرتبطة بمدى نجاحهم في تحسين صورة العمل الجمعوي أمام المجتمع لتليين موقفه تجاه الجمعيات، إضافة إلى محاولة تلبية جميع طلبات الطفل والشاب، الشيء الذي يستحيل تحقيقه إلا إذا نجح الطرفان (الجمعيات والقطاع الوصي) في إيجاد صيغة للاتفاق والعمل على أرضية موحدة هدفها الأول خدمة الطفولة والشباب؛ حتى لا يبقى العمل الجمعوي عملا يؤطر الوقت الثالث ويسعى إلى خلق فضاء متواضع يجد فيه الشاب والطفل متعته فحسب، وإنما ليصبح عملا يدخل في إطار ثورات المدن، وهو المنظور الجديد الذي يجب أن تتأقلم معه الجمعيات (لأنه دورها الحقيقي في المجتمع المدني)، ليس بدعوى الحداثة والشعارات الرنانة المرفوعة ولكن بما توجبه لنا من ثقافة تؤهلنا لمستقبل متعدد وديمقراطي.

شباب و مشاكل العمل الجمعوي

من الرهانات الأساسية التي يجب كسبها في كل مجتمـع يريـد الرقـي و الازدهار و التقدم نخو الأفضل في المجال الاجتماعي , هو ضمــان مشاركـــة الشباب في الميادين الحيوية التي تشكل الأساس الرئيسي لأي مجتمع.

العمل الجمعـوي بالمغرب وخاصة بالريف يعانــي من عزوف الشباب عن المشاركة الفعالة رغم أن العمل الجمعوي في منطلقاته وأهدافه شكل وعاء لصقــل إبداعات الشباب ومده بأسس ثقافيـة هامة، ليس فقط لكـون العمـل الجمعوي يهدف إلى تغيير بنيات الواقع فقط، وإنما إحداث تغييــر على مستـوى أشكال التفكير فيه وطريقة تصريف المعرفــة المكتسبة لبنـاء النموذج المرغوب فيه وتأطير الأداة البشرية المزمع تأهيلها لتحقيق ذلك البناء. فالعمـل الجمعوي هو حقل متميز ومجال خصب تنتعش فيه روح تحمل المسؤولية بشكل جماعي ويتم فيه الدفع بالشباب نحو تحرير طاقاتهــم وإمكانياتهم الإبداعية وخلــق أفراد يحكمون ضمائرهم الحية في الإنتاج والإبداع والنقد.

ونظرا لأهمية التي يحتلها العمل الجمعوي من حيث التأطير وتعبئة إمكانيات الشباب ولكون هذه الفئة الشابة تشكل دعامة أساسية للدفع بالعجلــة التنمويــة إلى الأمام عـلى غرار الدول المتحضرة، يتوجب الاهتـمام بهذه الشريحـة وتشجيعهـا ماديا ومعنويا وقانونيا من أجل ضمان مشاركة فعالـة لهم وإعطاءهــم فرصــة لتفعيل قدراتهم المعرفية.

وعلى غرار ما سبق يتوجب البحث في نقطتين هامتيـن: المشاكـــل التي تعرقل الشباب دون المشاركة الفعالة في العمل الجمعوي والحلول المقترحة لها.

المشاكل الأولى:

- الخلط بين ما هو سياسي وما هو جمعوي يطرح لبس لدى الشباب والارتماء في ميادين دون اختصاص.

- تدبير الشأن داخل مكاتب الجمعيات بطريقة غير ديمقراطية وإقصاء الشباب.

- كثرة الجمعيات ذات التوجه السياسي و استغــلال الشباب لهذا الغرض

- سيطرة ثقافة المخزن والتوجيه من الأعلى إلى الأسفل

- التغاضي عن دعم الجمعيات ذات المؤسسين الشباب من طرف الدولة ولهيأت الأخرى.

- غياب الحوار داخل الجمعيات لاعتبارات عديدة وكذا عدم اتساع دور الشباب وعدم تلبيتها لطموحات الشباب للابتكـــار والإبداع والخلق.

الحلول الثانية:

ومن بين أهم الحلول التي ستمكننا الخروج من هذا المأزق يجب التعبئة وتحفيز الشباب وتعريفه للعمل الجمعوي المتقدم إليه قبل انخراطه.

- غرس ثقافة العمل الجمعوي وروح المبادرة

- خلق قنوات بين الشباب للتواصل وتقاسم القضايا والمشاكل بينهم

- النظر في هيكلة الجمعيات المغربية وتشبيبها

- عدم استغلال الجمعيات في الانتخابات السياسية واستعمالها للحملات الانتخابية لحزب ما

- بناء الجمعيات على أسس ديمقراطية دون إقصاء

- عدم احتكار المناصب داخل مكاتب الجمعيات مع التأكيد على أحقية المؤسسين وتوفير الحماية القانونية لتجديد النخب بطريقة ديمقراطية.

- التحلي كذلك بالثقة الكاملة في قدرات الشباب لتسيير الجمعيات.

- محاولة التغلب على الإكــراهات المادية وتمويل الجمعيات من قبل الدولة بطرق موضوعية مع إعطاء أهمية للجمعيات الشابة.

- ضرورة استعادة دور الشباب لمكانتها ومصداقيتها

- ضرورة النضال داخل الجمعيات حتى لا تهدر حقوقها

- دعم مبادرات الشباب الجمعوي

- نبذ الأفكار السياسية داخل الجمعيات و شحن الشباب بها

- المرور إلى الاحتــــرافية في العمل الجمعوي ضمانة لدينامية الشباب

- يجب خلق شراكات مع القطاعين العام و الخاص لتفعيل مشاريع الشباب

- يجب وضع برنامج عمل لتكوين شباب جمعيات الأحياء للعمل عن قرب...

أثبت العمل الجمعوي في السنين الأخيرة أهميته وجدارته في مجال التنشئة الاجتماعية والتنمية ومجابهة التحديات التي تفرزها العولمة، وهو الأمر الذي تنبهت إليه مختلف الدول، وشكل دافعا لإعادة الاعتبار لهذه الفعاليات وتغيير النظرة إليها من خصم إلى شريك في التربية والتنمية.

أولا: التنشئة الاجتماعية في ظل التحديات

يجد النشء في المغرب كما في مختلف البلدان العربية نفسه محاطا ومطوقا بمختلف القنوات التي تسهم في نشأته وتربيته (الأسرة، الشارع، الجمعيات، المدرسة، الإعلام، الأصدقاء والرفاق) بواسطة "منتجات" تربوية عديدة تصل حد التناقض أحيانا، وهو ما يولد لديه نوعا من الاضطراب والانحراف في سلوكه وتربيته.. ولقد تعاظمت التحديات المطروحة أمام التربية السليمة في ظل اكتساح العولمة بكل مظاهرها لبيوتنا وحياتنا.

إن التربية هي منظومة القيم التي تحميها المعرفة والمهارة، وهدفها  كما يرى بعض المهتمين هو إتقان مهمة الوجود، بحيث يصير النشء من خلالها مالكا لزمام أموره ومتغلبا على الجانب الحيواني في شخصيته.. ولعل التربية التي ننشدها هي تلك القادرة على إعداد جيل يرفض الظلم والخنوع والاستبداد، وهي تربية شاملة تعمل على تنمية شخصية الفرد جسديا ونفسيا وفكريا وروحيا، تربية تقوم على الثقة في النفس واحترام حقوق الإنسان ومعرفة الذات وقدراتها ومعرفة الآخر والتعامل معه بنجاح، تربية تمنح النشء القدرة على طرح السؤال بحرية وطلاقة، والإيمان بالاختلاف والعمل الجماعي وتدفعه للإبداع والتفاعل والفعل والتطوع والتضحية.

إن الاهتمام بجانب التربية التي تعد آخر رهان لنا في ظل تخلفنا الاقتصادي والسياسي، يطرح بشكل ملح وجدي أكثر من أي وقت مضى مع تنامي إكراهات العولمة التي أضحت تهدد قيمنا وثقافتنا، من خلال تكريسها لنوع من التسلط المادي والتنافس الاحتكاري غير الشريف الذي يحمل بين طياته معاني العنف ضد الآخر وبخاصة في ظل تدفق المعلومات والقيم والأفكار المتباينة بشكل حر من خلال قنوات الاتصال المفتوحة التي لا حدود لها ولا رقيب عليها.

والسؤال الذي يظل مطروحا هو: كيف نكرس تربية سليمة وصالحة في ظل نظم تعليمية وتربوية عقيمة أغلبها ينحو للماضي أكثر منه إلى الحاضر والمستقبل، ويعتمد على التلقين أكثر مما يحفز على الخلق والإبداع ويكرس التقليد والتبعية بدل الاجتهاد؟

إن التعليم ينبغي أن يتم وفق طرق حديثة تستفيد من التكنولوجيا خاصة وأن "المستقبل سوف يكون سباقا بين التعلم والكارثة" كما قال أحد المفكرين البريطانيين.

وفي جميع الأحوال فالتربية التي ننشدها في ظل هذه الإكراهات والتحديات هي تربية ديناميكية وحيوية تتم وفقا لأساليب ومنهجيات واعية وحديثة بعيدة عن الارتجال والعشوائية، تتوخى في أبعادها تربية النشء على الإيمان بالتعددية وروح التسامح ومختلف القيم السامية والمواطنة والديمقراطية، ولذلك يجب على كل القنوات التي تجعل من التربية هدفا ومطلبا لها أن تعمل مجتمعة وفق أرضية تربوية قارة وموحدة وصلبة وتقدر حجم جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقها في هذا الشأن. فهذه القنوات إذا لم تطور أساليبها وإستراتيجيتها وإن لم تتدخل بفعالية.. فالتربية هي في آخر المطاف تتشكل لكن بعشوائية وانحراف أحيانا.

ثانيا: العمل الجمعوي كقناة للتنشئة الاجتماعية

لقد أثبت العمل الجمعوي الجاد والفاعل جدارته ونجاعته قي خدمة التنشئة الاجتماعية في ظل الاضطراب والتراجع الذي عرفته معظم القنوات العاملة في هذا الشأن، فهذه القناة التي تتسم بطابع التطوعية والإنسانية في مباشرة مهامها، يمكن أن تؤدي وظائف جليلة وحيوية إذا ما توافرت لها الشروط الذاتية والموضوعية، خاصة وأنها تستهدف بخدماتها وتأطيرها بشكل خاص فئة الطفولة والشباب رمز المستقبل، ومن تم فبإمكانها من خلال أنشطتها الداخلية والإشعاعية في بعدها التنموي والاجتماعي والفني والرياضي والثقافي في أن تسهم في خلق جيل قادر على تحمل المسؤولية ورفع التحديات ومواجهة الصعاب.

ولعل الرهانات المطروحة حاليا أمام الفعاليات الجمعوية تكمن بصفة خاصة في حماية القيم والعادات والموروث الثقافي أمام تحديات العولمة بكل أشكالها ومظاهرها والعمل على تكوين مواطن خلاق مبدع يتفاعل مع محيطه بشكل إيجابي وفاعل، ومؤمن بمبادئ الديمقراطية والحرية والإبداع، مع المزج بين الثقافي والتنموي، إذ أن العلاقة بين هذين الهدفين تكاملية بشكل جدلي، وتحقيق هذه الأهداف ومن تم تكريس تنشئة سليمة يظل متوقفا على نجاعة وفعالية الأنشطة التي تقوم بها هذه الجمعيات، وفي هذا الصدد، فالتخييم  على سبيل المثال  ينبغي أن يسهم في خلق جو من الانفتاح على الآخر والتواصل معه والإبداع والابتكار والترفيه، والأنشطة الداخلية ينبغي أن تصب أيضا في هذا السياق لتكرس ثقافة دينية وحقوقية وبيئية سليمة، وتكرس أيضا ثقافة المنافسة الشريفة وتشجع على الإبداع والتجديد والاختلاف البناء والتضامن والتسامح باعتبارها قيما سامية وأساسية في مجتمع كثرت فيه الإحباطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

والانفتاح كذلك على تجارب الفعاليات الجمعوية الأخرى، مع تشجيع النشء على التحصيل الدراسي، فيما ينبغي أن تكون الأنشطة الإشعاعية الكبرى في خدمة نشر الثقافة الجادة والتواصل والانفتاح. ولعل تحقيق ذلك يظل رهينا بمدى قدرة هذه الجمعيات على تأهيل وتأطير أعضائها نحو بلورة عمل جمعوي احترافي يختصر الوقت والجهد وقادر على بلورة مشاريع تنموية في مختلف القطاعات الثقافية، التربوية و الاجتماعية، مع استثمار الفرص التي تتيحها المرحلة الراهنة وطنيا ودوليا، والتي تم خلالها إعادة الاعتبار للعمل الجمعوي الشريف، وكذا بدعم الجهات الحكومية لهذه الفعاليات واعتبارها شريكا إستراتيجيا في التنمية، وبمساعدتها على فتح علاقات وشراكات مع بعض الفعاليات الجمعوية الدولية.