السبت 18 مايو 2024
سياسة

حتى لانضطرإلى استيراد أطر "الديستي" لتلقيح الإدارة المغربية بالجودة والمردودية

 
 
حتى لانضطرإلى استيراد أطر "الديستي" لتلقيح الإدارة المغربية بالجودة والمردودية

حين كان المغاربة على أعتاب رمضان الماضي  يتهيأون لاستقبال الشهر الفضيل أملا في مزيد من التقرب إلى الله عز وجل، كان المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع لجهاز مراقبة التراب الوطني "الديستي" قد كشف عن ثلاث بؤر للغش والتزوير تتهيأ لتغذية مواطنينا بأطنان من السلع والمواد الغذائية الفاسدة والمنتهية الصلاحية، وذلك بمدن تاونات ووجدة وفاس. وكانت بؤرة المدينة الأخيرة أخطرها بالنظر إلى أن الفاعل الرئيسي "داعشي" يزاوج بين فساد التدين وجشع التجارة، ويغتني من ذلك على حساب صحة وجيوب المغاربة "الكفار" الذين يراهم، حسب مرجعيته الظلامية، أحق بالجهاد تسميما وقتلا، فهو يملك حسب بلاغ لوزارة الداخلية شركة مختصة في بيع المواد الغذائية بالجملة بعد اقتنائها منتهية الصلاحية بأثمنة زهيدة ليوزعها في الأسواق خلال مراحل تصاعد الطلب، وفي نفس الوقت تأكد للمصالح المعنية انخراطه في المشروع الإرهابي الدولي عبر قيامه بتمويل سفر مواطنة مغربية إلى تركيا، قصد الالتحاق بأمراء الدم المقيمين على خطوط النار المشتعلة  على امتداد العمق السوري العراقي.

ولما تم تفكيك خلايا إرهابية عديدة من طرف "الديستي" تم الوقوف على شبكات الإجرام المختص في تزوير السيارات والهجوم على ناقلات الأموال وتبييض الأموال، وما أن تفكك خلية حتى يستفيق الرأي العام على حقيقة مرة تتمثل في أن المغرب ليس مهددا بالخلايا الإرهابية فقط، بل ومهدد ب" الخلايا البيروقراطية النائمة بالإدارة المغربية" التي (أي الإدارة) لم تشرب بعد جرعات الجودة والشغف في أداء المهام المنوطة بكل قطاع عمومي حتى إذا "وقعت الفأس على الرأس" تكون الخسائر ضئيلة.

الحالات المضبوطة ليست ظاهرة معزولة في الزمن والمكان، فمثلما لها سابقاتها في عمليات التدليس والإفساد والتزوير بعدد من المدن والقرى المغربية، لها لاحقاتها الممتدة إلى اليوم. لكن زاوية النظر التي تهمنا اليوم من هذا التذكير  هو التساؤل حول أسباب الخلل التي جعلتنا ننتظر إلى حين تدخل مصالح "الديستي" لنقف على هول مثل هذه الفضائح وعلى تجذرها الأخطبوطي، والحال أن مهاما كبرى استراتيجية في انتظار مثل هذا الجهاز، والحال كذلك أن مثل عمليات الضبط هاته موكولة، حسب القانون، إلى مصالح مراقبة الغش والتزوير والتلاعبات في قطاعات البلديات والعمالات بشكل عام، وفي كل المصالح الوزارية  والبنكية الأخرى ذات الصلة.

يهمنا من طرح هذا التساؤل تأكيد الحقيقة المرة متمثلة في حصول نوع من الارتخاء البليغ لدى عدد كبير من أجهزتنا الإدارية الوطنية، والاستسلام إلى ثقل العمل البيروقراطي، وإلى طيش الغرائز الذي يبطل المسؤوليات ويلغي المحاسبة ويخمد الضمائر، ولذلك كانت الحاجة أمس إلى استقدام عبد اللطيف الحموشي من جهاز "الديستي" إلى جهاز الأمن الوطني تسير في اتجاه تجويد أداء الشرطة و نقل "عدوى التفاني في العمل" من "الديستي إلى مرفق البوليس. لكن ماذا سيفعل هذا الجهاز إذا كان الارتخاء عاما، والغش واللامسؤولية أمرا سائدا في أغلب المصالح الإدارية الأخرى، العمومية والخاصة، الحكومية والمدنية، بما فيها نخب بعض الجمعيات والأحزاب؟ وماذا سيفعل مثل هذا الجهاز إذ كان التدليس والإفساد شأنا مقتسما في كثير من عمليات بناء المشاريع الحيوية المتعلقة بالتخطيط العمراني،وبالنقل الحضري، وبشق الطرق وبالتعاطي مع ملف التعليم الشائك والمزمن... وصولا إلى صيغ التعامل مع المال العمومي على مستوى نشاط الهيئات المدنية، وانتخاب الأجهزة الحزبية محليا ووطنيا، ونموذج ذلك ما نراه اليوم مثلا بخصوص منح التزكيات وغيرها؟

قد يكون الجواب الأقرب إلى المعقول هو الأشبه بالحلول السوريالية: أن نضع على رأس كل جهاز تفتيش داخل القطاعات الإدارية جهازا أسمى للتفتيش والمراقبة والمتابعة، وأن نعين على رأس المفتشين مفتشين من درجة أعلى ونتوج ذلك بوضع إطار من "الديستي" مسكون بالنجاعة والمردودية. ومن ثم سيكون على المشرع أن يبدع بنيات إدارية  جديدة قد نسميها "الهيئة العليا المكلفة بتفتيش المفتشين  وبمراقبة أجهزة المراقبة"، وذلك لضمان أجود لسلامة المواطن ولسلامة الاقتصاد الوطني، ولمجابهة ظواهر اللامبالاة واللامسؤولية والإفساد  التي صارت تنخر الإدارة الحكومية والجماعات المحلية والطباع والغرائز، في جل مناحي حياتنا العامة. وبذلك ستكون الهيئة الجديدة جديرة باسمها الجديد "الديستي" واقعا ومجازا، لتأمين حق المغرب والمغاربة في الحق بالتمتع بمرافق عمومية تسير كلها بنفس السرعة والإيقاع والإيمان بعقيدة واحدة ألا وهي "عقيدة الوطن وعقيدة المغرب".