الأربعاء 27 نوفمبر 2024
فن وثقافة

مضمون : إذا غابت الحرفية في صناعة الصورة سنصل للغش التلفزيوني والسينمائي

مضمون : إذا غابت الحرفية في صناعة الصورة سنصل للغش التلفزيوني والسينمائي

هو من أبناء الحي المحمدي بالبيضاء، نبع اهتمامه بمجال الصورة منذ دراسته في المستوى الثانوي، إذ كان ولا يزال مولعا بالمسرح والسينما والصورة والصوت. درس تخصص السينما والتلفزيون في فرنسا، وحصل  على مؤهل السلك الثالث بجامعة السربون في تخصصه. اشتغل بالقناة الثانية منذ سنة 1989، ويعتبر من مؤسسي قناة عين السبع التي قدمت في رمضان هذه السنة فيلمه التلفزيوني "ألوان في المنفى"، في إطار الإنتاج الداخلي للقناة. ما يثير الاهتمام في هذا الفيلم هو اشتغاله على تيمة خاصة بالفن التشكيلي، إذ يتجسد الهدف الأسمى له في إعادة الاعتبار لمبدعي هذا الفن الراقي المهمشين ومن خلالهم لكل المبدعين في كل الفنون الذين يعانون النسيان والإقصاء. الوطن الآن التقت مخرج "ألوان في المنفى" مصطفى مضمون وكان معه هذا الحوار.

ماهي الفكرة الأساسية لفيلم "ألوان في المنفى" وما الهدف الأسمى من أخراجه للوجود؟

ألوان في المنفى "للسيناريست محمد اليوسفي"، هو عمل تلفزيوني يقدم مقاربة للعلاقة المثيرة للجدل بين المجتمع والفنان، المجتمع مُجَسدا في شخصية "ماريا" التي شخصتها الممثلة آمال صقر والفنان مجسد في شخصية "جمال" التي شخصها الممثل كمال كاظمي. من خلال هذا الفيلم نرى كيف يعيش الفنان المعاناة مع المجتمع، والحديث هنا يخص المجتمع الذي يهمش الفن تهميشا خطيرا، رغم دوره الكبير في التعريف بحضارة الأمم وبناء صرح المجتمع. وما يهمني كمخرج هو لفت الانتباه للظروف الاجتماعية والنفسية للفنان الذي يعيش المعاناة والإقصاء إلى أن يموت. مثلا الفنان المغربي المرحوم "محمد الغرباوي" مات في باريس منسيا بالنسبة للكثير من المغاربة، بينما اليوم لوحاته تساوي "الملايين والملايين".

نعلم أن بعض المخرجين المغاربة خصوصا الذين درسوا بفرنسا وبالغرب عموما يحاولون تقليد بعض مدارس السينما الغربية بشكل مكشوف، دون اجتهاد، و تنسخ كاميراتهم مشاهد من أفلام غربية دون تبرير.. ماهي نوعية هذا الفيلم وهل يقلد مدرسة غربية معينة؟.

بعض الناس يصنفون هذا الفيلم في خانةfilm d’auteur  (سينما المؤلف)،على اعتبار أنه يضم دراسة سيميولوجية للظاهرة التي يتناولها من خلال استعمال الرموز والإشارات التعبيرية وهي مسألة مرتبطة بتوظيف صناعة الصورة سيميائيا، فإذا غابت الحرفية في هذه الصناعة سنجد المخرج يقلد الآخرين بطريقة غير مقبولة، وعملية (تقليد أو نسخ مشاهد من أفلام أخرى)، أسميها الغش السينمائي أو التلفزيوني، وأقيسها على فعل تقليد منتوج أصلي خاص بشركة كبرى وبيعه في السوق في إطار المنافسة غير الشريفة، لست هنا لكي أعطي النصائح لمقترفي هذا الفعل، لكن علينا أن نسند الأمور لأهلها، لأناس يتوفرون على كفاءة عالية في مجالات الإخراج والكتابة والتمثيل وللوصول إلى هذا الأمر لابد من الدراسة والتكوين الأكاديمي.

لماذا عنوان "ألوان في المنفى". علما أن تفكيك العنوان يحيلنا على استعارة النفي كفعل يمارس على الإنسان لإسقاطه على الألوان..؟

استعمال لفظة ألوان في العنوان ليست فقط دلالة على تنوع ألوان اللوحات التشكيلية التي تعتمد على تعدد الألوان وتداخلها لتشكيل اللوحة. لفظة ألوان دلالة أيضا على ألوان وأطياف المجتمع المتعددة، مرورا بألوان طباع الناس، وألوان الفنون المختلفة.. إلخ.. فالفيلم لا يعالج فقط ظاهرة الفنان التشكيلي المقصي والمهمش. العنوان أيضا مدخل للإشارة بأن الفيلم يشير إلى تهميش الممثل والمخرج والراقص والشاعر والإنسان البسيط عموما، لأن قوة حضور الفنان داخل المجتمع تقاس بدرجة نظرة الآخرين له وقيمته داخل ذاكرتهم خلال حياته وبعد موته، وبالنسبة لكلمة المنفى فهي مصطلح مرتبط بالنفي والتهميش، فالفنان المنفي من طرف مكونات المجتمع فنان مهمش ومُحتقـر وهو فعل لا إنساني وجب علينا تسليط الضوء عليه لإعادة الاعتبار للفن والفنانين.

في رأيك ألا يتحمل المسؤولية أيضا الفنان الذي يعيش هذا التهميش ويبيع فنه للآخرين بثمن زهيد مثل شخصية "جمال" داخل الفيلم؟

أتفق مع هذا الطرح. الفنان يتحمل أيضا المسؤولية، يجب أن يحمي فنه وأن لا يشتغل بثمن زهيد، عليه أن يرفع رأسه، لكن بالموازاة مع ذلك يجب تنظيم المجال الفني وهيكلته، لا يمكن الاستمرار في فسح المجال لمن هب ودب لكي يؤطر الفنانين ويدافع عن حقوقهم وانتظار إصلاح الوضع لوحده، على من يمثلون الفن والفنانين أن يشكلوا قوة إقتراحية ذات قيمة كبيرة، لذلك أقول أولا وقبل كل شي المسؤولية يتحملها المسؤولون الكبار، لأنهم إذا أرادوا أن ينهجوا سياسة تنهض بالفن والفنون فسيفعلون، لديهم كافة الوسائل  من إدارات و وزارات. أما من ناحية الجمهور المغربي، فأنا أعتبره أحسن جمهور، لأنه جمهور واع، ولا يجب أن نسيء إلى ذكاءه، بتقديم أفلام وأعمال تلفزيونية ومسرحية رديئة وفاضحة والاكتفاء بالقول هذا ما يريده الجمهور.

حديتك عن الرداءة وما يوصف بالأعمال الفنية الفاضحة، يُحيلنا على الجدال الذي رافق تقديم أفلام مغربية تتضمن مشاهد إباحية وكلمات ساقطة. ودائما تكون أجوبة مخرجو هذه الأعمال، إما : هذا واقع مُعاش، أو الفيلم موجه للسينما (مع اقتناء تذكرة) ولا يدخل لبيوت الناس مثل الأعمال التلفزيونية كما يقولون. فما رأيك في الردين معا؟

يضحك ... من يقول أن الولوج للسينما يستدعي أداء ثمن تذكرة وهي مسألة اختيارية فهو يحجب الشمس بالغربال، في التلفزة أيضا لدينا اختيار عدم مشاهدة القناة أو الفيلم عن طريق "الروموت كنترول" أو مايمكن أن نسميه zapping ، هناك العديد من القنوات المتاحة محليا ودوليا. كل واحد منا يمكن أن يختار ما يشاهده عبر الشاشة الصغيرة، إذن الاختيار موجود في التلفزة أيضا. يجب أن يكف مثل هؤلاء المخرجين عن قول (أنا أنجزت هذا الفيلم للسينما من أراد أن يشاهده مرحبا ومن لم يرد فلا يقتني التذكرة) السينما أيضا قريبة من المواطن، (كاينة غير في الحي الذي يسكن فيه)، ليس هناك تبرير مقنع لاستغلال المال العام لإنجاز فيلم والقول بأن مسألة مشاهدته اختيارية، من المفروض أن يستجيب الحاصل على دعم من المال العام لإنجاز فيلم سينمائي أو تلفزيوني لخصوصيات المجتمع المغربي وأخلاقه ومبادئه.