الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد الغول: شرخ في الهوية

محمد الغول: شرخ في الهوية

نقاش مجتمعي مفتوح على كل الاحتمالات ذلك الذي يعتمل هذه الأيام على ساحة الرأي العام الوطني تحت عناوين مختلفة، عناوين من قبيل حفل جنيفر لوبيز , فيلم نبيل عيوش، قبلة فيمن في ساحة مسجد حسان، اعتقال مثلين في نفس الساحة، فتيات التنورة بإنزكان، لافتة "البيكني" بشاطئ انزكان وحتى حمى المفكر سيد القمني وعناوين أخرى كثيرة ... هذا النقاش يتعامل معه الكثيرون على أنه صراع ما بين قطبين فكرين طبيعيين في أي مجتمع.. قطب محافظ وقطب حداثي أو في أحسن الأحوال صراع مصالح سياسية مغلفة في غلاف صراع فكري .

هذا الصراع المحموم والذي جند وشحذ له كل طرف أسلحته من أفكار ونقاش وتهديد وتحريض ويصل الأمر إلى سب وشتم وقذف وتهديد وهناك من يدعو لحملات تضامنية هي الأخرى تكون موضوع تنابز حاد على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية وبعض المنابر الورقية وآخرون يدعون لوقفات احتجاجية قد تنتج وقفات مضادة تخرج هذا النقاش عن سياق الصراع الفكري الطبيعي في أي مجتمع يتطور بشكل سلس كما حدث ويحدث في كل مجتمعات الدنيا .. الأمر ليس نسقا مغربيا ويكفي الإشارة إلى أنه دول أوروبية يضرب بها المثل في الديمقراطية والانفتاح كانت حتى زمن ليس بالبعيد تمنع نسائها من تقصير التنورات في الشارع العام وبقوة القانون وقد أحيلكم على ما يحدث في جارتنا الشمالية اسبانيا الأقرب منا من نقاش في موضوع الإجهاض هذا النقاش الذي عشنا شبيها له في المغرب قبل أيام في اسبانيا وصلت حدة الخلاف أن خرج الملايين للشوارع للتعبير عن رفضهم لقانون الإجهاض و أقرته الحكومة الاشتراكية مع ذلك قبل أن يعود اليمين إلى السلطة باحثا عن تعديل القانون.. أريد أن أقول أن سياقات التطور لدى المجتمعات متشابهة لكن طرق تصريف خلافات الطريق هي المختلفة لدى المجتمعات.. مجتمعات تعلمت تصريف خلافاتها بهدوء وتحقيق توافقات قاسية وان كان بعضها تعلم ذلك بالطريقة الصعبة حيث أن عقودها الاجتماعية ممهورة بكثير الدماء ومجتمعات أخرى تعلمت الدرس بهدوء أكبر ومجتمعات أخرى تشبهنا لا تتعلم الدرس أبدا أو لا تقرأ التاريخ وتهدد مصيرها الذي تحاول تحديده من خلال تحديد هويتها والهوية هو محور هذا التدافع الذي يعيش على إيقاعه مجتمعنا هذه الأيام.

مجتمعنا يعاني من شرخ في الهوية يحاول ترميمه ولكنه يفشل حتى الآن باعتبار أن طرفا من المجتمع يرمم والأخر يعيد الشرخ بدعوى أن الترميم تم بطريقة خاطئة وكلا الطرفين مخطئ فمجتمعنا يحتاج إلى أن يبحث عن صيغة جديدة لهوية مشتركة تجمع تناقضاته وليس من المفروض أن تكون مكونات هذه الهوية تمثل الجميع في المجتمع ولكن من المفروض أن يتوافق كل المجتمع حتى المختلفون على هذه المكونات الدينية منها أو الأخلاقية، القانونية والسياسية وحتى الاقتصادية... ويحترمونها وبل حتى يدافعون عنها باعتبارها هوية جماعية حتى عندما قد لا نتفق معها في إطار عقد مجتمعي يضمن للمختلفين مكانهم ضمن المجتمع، الأمر شبيه بقضية العلم الوطني ليس كل المجتمع معجب بشكل وألوان علم وطنه ولكن الجميع يحترم هذا العلم ويدافع عنه كمكون من مكونات الهوية المتوافق عليها.. وهذا يحتاج من المجتمع هدوء في النقاش وأن يرتفع هذا النقاش الباحث عن تجديد الهوية المجتمعية بعيدا عن الشارع والغوغاء لكي لا يزيغ النقاش إلى أشياء أخرى لا قدر الله والأساس هو أن يتفق المجتمع بداية على أن محددات الهوية ليست شيئا مقدسا بل هي قابلة للتجديد والتغيير بما يساير التغيرات التي نعيش على إيقاع تسارع حاد لها في أيامنا هذه حتى نستفيق على غير ما نبيت عليه وأقتطع هنا مقولة لا أذكر كاتبها والذي كان يقصد بها المجتمعات الأوروبية حيث كتب (..أوروبا اليوم اختارت العلم إلها لها وهو اله قلق يثبت اليوم ما نفاه بالأمس وينفي اليوم ما أثبته بالأمس ...) وهو أمر يستدعي مسايرتنا لقلق العلم الذي يفرض إيقاعه على حياتنا شئنا أم أبينا أو سيكون مصيرنا كمجتمع قد خرج عن نطاق سيطرتنا بالكامل وهو أمر لا نتمناه طبعا.