الثلاثاء 23 إبريل 2024
سياسة

أيها الولاة والعمال.. بينكم وبين الشعب دستور 2011

أيها الولاة والعمال.. بينكم وبين الشعب دستور 2011

مازال الرأي العام ينتظر من الولاة وعمال الأقاليم الخروج من جلباب الممارسة الإدارية الموسومة بعقليات ما قبل دستور فاتح يوليوز 2011 (مع بعض الاستثناءات)، بعد أن توسعت الاختصاصات وتداخلت الأدوار بين الفاعل الإداري والمدني والسياسي في إطار التدبير الديمقراطي التشاركي..  بل إن مكاسب الدستور المتقدمة لن ترحم كل من يحن للعهد المخزني البائد ويتهرب من تطبيق مفهوم السلطة الجديد الذي هيأ أجواءه ملك البلاد نظريا وممارسة وتواصلا عبر كل بقاع الوطن منذ اعتلائه لسدة الحكم .

أكيد أن تعيين الولاة والعمال بالجهات والأقاليم من طرف الملك يعد تكليفا ومهمة وطنية، الغاية منها وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب لتسهيل التواصل وتتبع خطوات التنمية وخلق الفرص الاستثمارية من خلال الإمكانات المتاحة عبر المجال الجغرافي الذي يقع تحت مسؤولية الوالي أو العامل بتنسيق مع كل القطاعات الحكومية والمؤسسات المنتخبة، ومحاربة وفضح كل ملفات الفساد والريع بمختلف تمظهراته، فضلا عن أن دستور 2011 قد ارتقى بالمجتمع المدني كسلطة خامسة والتنصيص على ذلك في العديد من البنود مما يستوجب إشراكه في كل القرارات التي تتقاطع مع أهدافه دون إغفال قوة المواطن الاقتراحية عبر العرائض التي قد تكون موضوع اقتراحات نابعة من مواطنته الكاملة .

إن التعديلات التي طالت الميثاق الجماعي وتجديد التقطيع الجهوي ـرغم أنه مازالت هناك انتظارات أخرى على مستوى القوانين التنظيمية لمجموعة من النصوص الدستورية والقانونية في إطار المهام الملقاة على عاتق السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائيةـ تطالب هرم قمة المسئولية إداريا في الجهات والأقاليم لاستحضار شروط وآليات الحكامة الجيدة وربط المسئولية بالمحاسبة والمساءلة السياسية والاجتماعية والقانونية، والاحتكام لتكافؤ الفرص ديمقراطيا واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب في أفق الخروج من الاستحقاقات المقبلة الأولى ضمن الدستور الجديد بنتائج نزيهة وتمثيلية تليق بتطلعات الشعب المغربي .

ولن يتأتى ذلك إلا بالتسلح بالضمير المهني والجرأة والشجاعة "المواطنتية" اقتفاء لأثر ملك البلاد الذي يجوب المداشر والقرى النائية والجبال والسهول صيفا وشتاء للتواصل مع المواطنين وفتح آفاق التنمية المستدامة بقوة عزيمته التي امتدت نحو أعماق شمال إفريقيا.... نعم المهمة صعبة وسهلة ممتنعة، ولا تحتاج إلا لترجمة المهمة المنوطة بالشخصية الإدارية في كل إقليم وولاية، وتفعيل القوانين وأجرأتها تحصينا للمكتسبات وللخطوات التي قطعها المغرب نحو ترسيخ قيم المواطنة الحقة ليعم الرخاء كل أرجاء الوطن وتثمين موارده المادية والبشرية وإمكاناته الشبابية الطموحة .

نعم نحن مقبلون على استحقاقات جديدة في ظل دستور جديد والرهان أكبر مما يتصور البعض في ظل بؤر التوتر القريبة والبعيدة، والتي نتأثر بها في سياق الصراعات القائمة بين قوى متعددة قاسمها المشترك السيطرة على الموارد الاقتصادية وضرب كل القيم الاجتماعية.. والجواب عن كل هذه التحديات يتمحور حول إنتاج مؤسسات نزيهة وشفافة وإبعاد مافيا الفساد والمفسدين عن كراسي مؤسساتنا الوطنية والجهوية والإقليمية، والتي تشكل وصمة عار على جبين الوطن، والأمثلة كثيرة يعرفها الخاص والعام، علما أن كل الأسلحة القانونية متوفرة لردع أخطبوط الفساد ودحره، وإعادة الثقة للمواطن ولمؤسساتنا الوطنية، وتجاربنا متعددة وكثيرة في هذا الشأن واستثمار الإيجابي منها قادر على وضع سكة التدبير المحكم على صعيد الجهات والأقاليم لخلق جبهات وطنية موحدة ومتضامنة تصب روافدها في قلب الوطن .

ونقترح في هذه الورقة المتواضعة بعض الإجراءات الأولية والتي نعتبرها في متناول الإدارة :

ـ انفتاح العمال والولاة على كل الشرائح الاجتماعية وفتح مكاتبهم في وجه الشعب والاستماع لنبضات الشارع، وإبعاد الوسطاء المتملقين  والكذابين والمنافقين والبصاصين من أروقة إداراتهم .

ـ الانكباب على تحيين لوائح كل المفسدين المتورطين في نهب المال العام واستغلال النفوذ، سواء برلمانيين أو رؤساء الجماعات المحلية والإقليمية والجهوية، وكذا أصحاب الشركات والمقاولات وتقديمها للرأي العام قبل موعد الاستحقاقات ومنعهم من الترشح ضمن اللوائح الانتخابية وتقديم ملفاتهم للسلطة القضائية .

ـ مساءلة كل المقاولات والشركات المتورطة في صفقات وهمية والمستفيدين من الريع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في إطار الزبونية والمحسوبية التي تربطهم بالمؤسسات الجماعية والتشطيب عليهم من لوائح الاستفادة من الصفقات العمومية .

ـ فتح ملفات الفساد بدون تحفظ مع ضمان المساءلة القانونية والاجتماعية في إطار دولة الحق والقانون.

ـ تفعيل مقتضيات قانون الأحزاب لمنع الترحال السياسي وتطبيق مفهوم الانفتاح على الطاقات الشابة سياسيا والقطع مع الترشيحات المستقلة والأطر التكنوقراطية تماشيا مع مضامين دستور البلاد ومقتضياته المرتبطة بربط المسئولية بالمحاسبة .

ـ انخراط الإعلام التلفزيوني بكل قنواته بتنسيق مع كل المعنيين والمتدخلين لتقديم كل تفاصيل هذه العمليات الوطنية لوضع المواطن المغربي في الصورة الحقيقية لمفهوم المواطنة والعدالة الاجتماعية.

هذه لعمري بعض الإجراءات الاستباقية لرد الاعتبار لصناديق الاقتراع ولمؤسسات الدولة والمجتمع ولمفهوم إدارة القرب التي تتمحور حول شخصية الوالي والعامل الذي يمثل الملك والحكومة وفق مقتضيات دستور 2011.