يوم السبت 13 يونيو 2015 قرر عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، إطلاقصفحته الشخصية على الفايسبوك. وقد توازى ذلك بلقاء مع بعض المدونينوالنشطاء في شبكات التواصل الاجتماعي، الدائرين في فلك «البيجيدي»، الذيناجتمع بهم على صحن «البطاطا والزيتون» في نفس اليوم. ولأن لا شيء بريئا في عالم السياسة، فالخطوة التي حاول بنكيران أن ينفخ فيها ليجعلها «حدثا»إعلاميا في غياب الأحداث الحقيقية، تطرح السؤال الأول الذي ما فتئ المعنيون بالشأن السياسي، في تقاطعه مع الشأن الإعلامي، أن يطرحوه على رئيس الحكومة، ويتعلق بنوعية المعايير التي اعتمدها في اختيار هؤلاء
المدونين دون غيرهم، خاصة أن المعني بالأمر ليس فقط شخصية عمومية تترأسحزب الأغلبية، بل هو رئيس الحكومة، وبالتالي فهذه الصفة الدستورية تطوق تحركاته باعتبارات العمل العمومي.
أما السؤال الثاني فهو: لماذا قرر بنكيران اليوم فقط فتح حساب علىالفايسبوك، ومعه قرار الاجتماع مع نشطاء الأنترنيت؟
للإجابة عن هذين السؤالين لابد أن نستحضر معالم السياق الذاتي والموضوعيللحكومة ولرئيسها. ذلك أن الاجتماع ينعقد في أفق الترقب للاستحقاقاتالقادمة والتسخينات التي يقوم بها الحزب لتجييش كل الأذرع لتعبئةالناخبين لفائدة المصباح، وعلى خلفية الفشل الذريع للحكومة. وبالتاليفالانفتاح على الفايسبوك والاجتماع المذكور لابد أن يكونا محكومينبالهاجس الانتخابي. وما كان للمتتبعين أن يتداولواهذا الهاجس لو أقدمرئيس الحكومة على هذه الخطوة يوم توليه مسؤولية إدارة الشأن التنفيذي.
فالفايسبوك موجود في المغرب منذ سنة 2006، وقبله ولج المغاربة شبكةالأنترنيت منذ سنة 1995.
ولو فعل ذلك لقلنا إن الحكومة تتمتع بحس تواصليرفيع يجعل استراتيجيتها العامة موسومة بالتزاوج ما بين العمل الميداني،وعلم الاتصال المؤسساتي. ولقلنا كذلك إن المغرب صار محظوظا بوجود رجل في
أعلى الهرم الحكومي له درجة عالية من السلوك الحداثي مثلما يحدث مع أغلبمسؤولي العالم.
في غياب ذلك، يتأكد النزوع الانتهازي المكشوف لرئيس الحكومة. ولولا وجودهذا النزوع لكان بنكيران قد اعتبر أن قرار الانخراط في الفايسبوكوالاجتماع بالنشطاء ورشا يهم كل مكونات الإعلام وروافد التواصلالاجتماعي، بما فيه قطاع الصحافة المغربية، الورقي منها والإلكتروني، فيإطار تطوير سبل التواصل مع مكونات السلطة الرابعة، ومن خلالها مع الرأيالعام. وفي هذا الإطار كان عليه أن يجتمع مع ممثلي هذه السلطة على قدمالمساواة.
لكل هذه الاعتبارات:
1ـ يتبين أن رئيس الحكومة صار مقتنعا أكثر من غيره بحقيقة فشله، سواءكمسؤول أول عن الجهاز التنفيذي، أو كمسؤول حزب يقود الأغلبية. ولذلك اضطرللتمسك بخيوط العنكبوت لا بغاية تواصلية نبيلة، ولكن كأداة لتسجيلالحضور، ولاستعادة الذات الضائعة، وتعبئة للصفوف الإلكترونية.
2ـ يتبين كذلك أن رئيس الحكومة قد انتبه بشكل متأخر جدا إلى الفوائدالنفعية لهذا الابتكار التكنولوجي. ولذلك دخل في صراع مع الزمن للتأثيرفي الزمن الافتراضي، بعد أن فشل موضوعيا في التأثير في الزمن الواقعيللمغرب والمغاربة.
3ـ ويتبين أخيرا أنه دخل عالم الأنترنيت بدافع انتخابي واضح لممارسةتلميع الصورة، وللدعاية لما تبقى من زمن ميت، وهذه دوافع يمقتها علمالاتصال المؤسساتي، ويؤكد عجزها، لا فقط لأن هذا العلم له منهجيته وطرقهالعقلانية في صياغة المعلومة، وفي مسالك تداولها، ولكن لأن المبحرين فيعالمالأنترنيت لهم قدر كاف من الذكاء يجعلهم ينتبهون إلى أن هناك فروقاصارخة ما بين «البروباغاندا» وممارسة العلم.
واضح إذن من هذا الاعتبارات أن بنكيران الفاشل في إدارة الشأن الحكومييجد نفسه اليوم كما لو كان يبحث عن قارب نجاة. ولذلك لجأ إلى فكرة مغرقةفي الشمولية التي تقوم على التجييش ضمن فرضية أن الرئيس وحكومته يوجدانفي حرب جهنمية غامضة، ولذلك آن الأوان لإعداد كل ما هو ممكن لإنزال
الهزيمة بالخصوم والأعداء، الظاهر منهم والخفي. وحسب ما هو مؤكد من خطوةبنكيران أنه،لاعتبارات السياق، لا يبحث عن تقارير ومتابعات إعلاميةتتحرى الحقيقة، وتكون وفية لأخلاقيات المهنة، ولجودة المنتوج الصحفيوسلامته، ولكنه يبحث عن «الطبالة والغياطة والنكافات» الذين سيكون
المطلوب منهم أن يسموا الكوارث انتصارا وفتوحات وإلهامات ربانية، وأنيعطوا الإشارات لمن يعنيهم الأمر بإمكانيات الاستثمار في هذا المجال.وعلينا أن ننتظر التفاعلات الميدانية لرئيس الحكومة، ومدى التجاوبالحقيقي مع سكان المحيط الأزرق لنتبين إن كانت الخطوة تجييشية فعلا، أمتواصلية.
يقول المثل الفرنسي «من يسرق بيضة يسرق ثورا»، وواقع الحال المغربي يؤكدأن من يكذب على المغاربة في ما يتعلق بشؤونهم الحيوية، ومن يخالف وعودهالانتخابية وتصريحه الحكومي سيظل مخالفا للوعود والمواعيد، سواء ارتدىجلباب الدعوة، أو ارتدى زي الحداثة، وسواء تحدث إلى مواطنيه بوسائلالتكنولوجيا الجديدة، أو من وراء حجاب.