الأحد 19 مايو 2024
سياسة

هل يتدخل الملك لإنقاذ المغاربة من عبث حكومة بنكيران؟

 
 
هل يتدخل الملك لإنقاذ المغاربة من عبث حكومة بنكيران؟

في ظرف قياسي بالنسبة إلى تاريخ الحكومات المغربية المتعاقبة منذ الاستقلال، تم استعمال الحق الدستوري للملك في إنقاذ الوزراء من سوء ما يقترفه سلوكهم. وهو ما يحسب سلبا على الحكومة الحالية، حيث تدخل الملك، في المرة الأولى، إثر إصدار الديوان الملكي، في يناير الماضي، لبلاغ يفيد إعفاء وزير الشباب والرياضة، بعد ما تبين من مساع من عبد الإله بنكيران في السكوت عن فضيحة ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، وتم تفعيل الفصل 47، للمرة الثانية، في الشهر الجاري، ليطال أصحاب الفضائح المدوية، وزيري «الكراطة» و«الشكلاط»، ومعهما «الكوبل» الحكومي.

فما هي دلالات تفعيل الفصل 47 اليوم؟ وما الذي يجعلنا نتساءل إثر كل مأزق حكومي عن الحاجة إلى الملك دستوريا ليعيد وزراء بنكيران إلى جادة المعقول والصواب.

في الوقت الذي كان المغاربة ينتظرون تفعيل مقتضيات الدستور الجديد، منذ إقراره برضى المغاربة قبل قرابة أربع سنوات (يوليوز2011)، بدأ الفصل الأبرز تفعيلا هو السابع والأربعون، في حين تتعطل المقتضيات الحيوية، سواء منها ما يتعلق بالحكامة وترشيد أداء الوزراء والمعارضة على حد سواء، أو ما يتعلق بالتجاوب مع حاجيات المواطن بخصوص إقرار العدالة الاجتماعية ومقاومة الهشاشة ومحاربة الفساد والريع، أو ما يرتبط بالتنزيل القانوني لعدد من النصوص التطبيقية التي وعد المخطط التشريعي للحكومة بالحسم فيها تدريجيا منذ سنة 2012.

لقد جاء الفصل 47، مثل غيره من الفصول الدستورية الأخرى، متناغما مع النضج الذي أبان عنه المجتمع، فأقر للملك الحق «بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم»، مثلما أقر حق "رئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة". و"أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية..".

ومعنى هذا التطور أن المشرع كان يعي بأنه إزاء لحظة دستورية اقتضت ذاتيا وموضوعيا فسح المجال لرئيس الحكومة لاكتساب مساحات دستورية واسعة. وكان واضحا أن منطوق الفصل المعني يسير باتجاه نصف المسافة نحو الاقتراب من بؤرة المطلب الدستوري الذي رفعته حركة 20 فبراير، ورفعه قبله بكثير الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. والذي يفيد الاتجاه نحو إقرار الملكية البرلمانية التي يرى دعاتها بأنها السبيل إلى تحديث الملكية الدستورية، وتفعيل المطلب الشعبي بالسيادة الفعلية للشعب في حكم ذاته، وتدبير شؤونه الخاصة.

لكن المفارقة تبدو صارخة حين نتساءل، على ضوء محك الممارسة الحكومية، حول ما إذا كانت النخبة السياسة المغربية، والحكومية منها على وجه الخصوص، قد تأهلت بالفعل ذاتيا لتولي إدارة الشأن التنفيذي بدون الحاجة إلى تدخل الملك، باعتباره دستوريا "ضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات".

لنعد إلى الوقائع:

انفجرت فضيحة فيضان ملعب الرباط أمام أنظار العالم، لتنفجر معها ردود أفعال المغاربة الذين استهجنوا الفضيحة، وأحسوا بأنهم طعنوا في كرامتهم الشخصية والوطنية. وعوض أن يتعامل معها الوزير المسؤول بالموضوعية المطلوبة فيخرج إلى المغاربة بتحليل رصين يبرز حيثيات المشكل كما حدثت في الأوراق والمكاتب والملعب، وصيغة ما يتصوره من طرق المعالجة، وتحديد المسؤوليات الذاتية، مع الإقرار بمسؤوليته السياسية والاعتبارية على الأقل، رأيناه يستسهل ما حدث، مدعيا بأن ذلك يحصل في كل ملاعب العالم.

إزاء ذلك، سجلنا صمتا مريبا لرئيس الحكومة ولرئيس الحزب الذي ينتمي إليه الوزير المعني. بل الأنكى من ذلك أنهما دخلا في ما يعني "مساومة سياسية" من أجل الالتفاف على الفضيحة حتى لا يسقط التحالف الحكومي. هنا كان لابد أن يتدخل الملك ليعطي تعليماته لرئيس الحكومة "بإجراء بحث كامل وشامل بخصوص الاختلالات التي عرفتها إحدى مقابلات كأس العالم للأندية التي أقيمت على أرضية المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط". وكانت نتيجة البحث "إثبات المسؤولية السياسية والإدارية المباشرة لوزارة الشباب والرياضة، وكذا مسؤولية المقاولة، في الاختلالات المسجلة على صعيد إنجاز هذا المشروع"، ومن ثم صدر قرار الإعفاء.

ثم انفجرت الواقعة الثانية إثر إقدام وزيرين في الحكومة الحالية على اقتراف «علاقة حب»، تلتها خطبة مدوية تكرس التعدد، عبر إهانة مدونة الأسرة، والإساءة إلى كل ما خطاه المجتمع المغربي من أشواط دستورية تعلي من مكانة المرأة والأسرة المغربية.

هنا أيضا كان صمت رئيس الحكومة، فيما انبرى أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، للدفاع عن "الكوبل" الحكومي، ولإثبات حق الوزيرين في بناء عش الزوجية على أنقاض البيتين الأولين للحبيب وسمية، وعلى أنقاض المجتمع برمته الزواج، على اعتبار أن الأمر يتعلق بـ «حب على سنة الله ورسوله»، و«ما علينا إلا مباركته». وذلك أمام ذهول المغاربة وخيبتهم مما يجري في النادي الحكومي.

ولنا أن نتصور أنه لولا تدخل الملك دستوريا لإيقاف هذا النزيف السياسي والأخلاقي، لكنا إزاء مسلسل فضائحي كبير لا يتوقف، تماما كما لو صرنا نعيش زمن السيبة، في الوقت الذي صرنا نتمتع بوثيقة دستورية تعتبر على المستوى النظري من أرقى الوثائق في تاريخ المغرب المعاصر.

إزاء هذه الوقائع المشينة يتأكد بأن الحاجة لا تزال دائما موضوعية لتدخل الملك الدستوري لإعادة الرشد لوزراء يسخرون بأنفسهم قبل أن يسخروا بالمغاربة، وبأننا لا نزال بعيدين عن نخبة حكومة تتمتع بالحس الأخلاقي والسياسي، ولذلك فمطلب تواري الملك خلف المشهد الحكومي يظل من باب العبث الذي لا يساويه سوى عبث حكومة بنكيران.

مجمل القول إنه لولا الفصل 47 لتم السكوت عن كل الفضائح من أجل إتمام الصفقات الحزبية وحيازة الكراسي، ولولا الدستور لدخلت الممارسة الحكومية متاهات المجهول!!

(تفاصيل أخرى حول هذا الموضوع تقرأونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"، والذي تجدونه في جميع الأكشاك)

une-coul-20-05