الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

حسن المستكاوي: أيها الاعتدال لماذا تغادرنا؟

حسن المستكاوي: أيها الاعتدال لماذا تغادرنا؟

عندما حذر ميشيل بلاتينى من تنامي العنف والتطرف في ملاعب كرة القدم كان يتحدث عن أوروبا، التي تعانى ملاعبها بالفعل من عنصرية بغيضة، وعداءات سياسية.. إلا أن العنف الذي اندلع في ملعب سطيف بالجزائر خلال وبعد مباراة وفاق سطيف والرجاء البيضاوى يؤكد أن الظاهرة باتت عالمية وليست أوروبية فقط، وأجزم بأنها كانت عربية أصلا قبل أن تكون عالمية. فنحن نعرف عن لقاءات الأشقاء أنها تبدأ بتبادل الورود والقبلات وتنتهي بالاشتباكات بالأيدي وبتبادل الصفعات.. وهذا ما حدث بين فريقي وفاق سطيف وجماهير الناديين بعد تأهل سطيف على حساب الرجاء بركلات الجزاء الترجيحية (4/1) لتعادل الفريقين ذهابا وعودة 2/2..

هل هذا تجسيد لواقع جديد يغادرنا فيه قطار الاعتدال في كل شيء، فقديما كان عنف الأشقاء ينتهي بسرعة ويعمل الجميع على إخماده لاسيما القيادات، لكن المفاجأة في معركة سطيف أن العنف امتد إلى رئيسي الناديين.. فرئيس وفاق سطيف حسان حمّار قام بركل محمد بودريقة رئيس الرجاء واعتدى عليه بالضرب والبصق في تطور مؤسف ومخجل لمشادة بينهما وصلت إلى حد التشابك بالأيدي والاعتداء بالضرب، حسب ما ذكرت مصادر مغربية.. وأتساءل عن موقف الاتحاد الإفريقي من تلك المهزلة الأخلاقية؟ هل يمكن أن يعاقب رئيس ناد لأنه ضرب رئيس ناد آخر؟ هل ستكون هناك عقوبات على الملعب أو على الجماهير التي بدأت العنف؟ ولماذا بدأ العنف أصلا وما أسبابه الحقيقية؟

نحن أمام عالم يخلط بين الانتماء وبين التعصب. وهو خلط مريض، فالانتماء بناء. والتعصب كراهية وبغضاء.. وكأن دورة الزمن تعود.. إن ما يجرى في ملاعب كرة القدم من ظواهر عنف ورفض يذكرنا بموجات ظهرت في الستينيات عبر فيها شباب الزمن عن رفضه في صور موسيقى صاخبة وملابس زاعقة، ومهرجانات فنية جمعت بين الإبداع والانحلال، وبين التطرف والخيال، وخلال تلك الحقبة ولدت فيها ونمت ظاهرة الأولتراس، وهى الظاهرة التي يعانى منها شرق أوروبا، وملاعب الكرة الإيطالية في الأسابيع الأخيرة، وأول من يعانون هو بيرلسكونى رئيس ميلان بسبب احتجاجات رابطة الأولتراس وبياناتها، وفى أحد تلك البيانات يتساءلون: "كم من المرات ضحينا من أجل الفريق؟ كم مرة حرمت نفسك من المال لشراء قميص جديد.. لتذهب للملعب أو لتُجدد اشتراكك السنوى؟".

قطار الاعتدال الذي يغادرنا أصاب كل شيء فعلا. ومن أهم الأشياء الرياضة، فالعنف زاد، والمال زاد، والجنون طال قيم الرياضة بسبب العنف والمال.. فكيف يحصل ملاكم على 150 مليون دولار نظير مباراة واحدة؟ كيف يصل دخل مباراة ملاكمة إلى 400 مليون دولار، وهى بين الملاكمين فلويدمايويذر جونيور ومانىباكياوفى وزن المتوسط حسب تصنيف بالجمعية العالمية والمجلس العالمي..؟ والاثنان لا يرتقيان في الفن النبيل إلى مستوى محمد على كلاي الذي حببنا في الملاكمة!

أيها الاعتدال لماذا تغادرنا؟!

(عن "الشروق" المصرية)