الاثنين 2 ديسمبر 2024
كتاب الرأي

سفيان الحتاش: منتدى "كرانس مونتانا".. بلاغ "بان كي مون" والتضليل الجزائري

سفيان الحتاش: منتدى "كرانس مونتانا".. بلاغ "بان كي مون" والتضليل الجزائري

بعد النجاح الكبير الذي حققه منتدى "كرانس مونتانا" العالمي، الذي تم تنظيمه أيام 12 و13 و14 بمدينة الداخلة جوهرة الصحراء المغربية، لمناقشة قضايا تهم التنمية والأمن والسلام بالقارة الإفريقية في إطار تعاون جنوب-جنوب، وهو النجاح الذي عكتسه طبيعة الشخصيات والوفود المشاركة، التي تمثلت في رؤساء دول وحكومات حاليين وسابقين ومنظمات غير حكومية عالمية ورجال أعمال ومؤسسات اقتصادية.. وبعد الأنشطة المكثفة التي شهدها المنتدى التي كانت لها أصداء عالمية، وكذا الإقبال المكثف على المشاركة في الحدث العالمي، وذلك بشهادة الرئيس المؤسس لمنتدى كرانس مونتانا "جون بول كارترون"، بعد كل هذا يطلع علينا الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" مفندا أي مشاركة أممية في منتدى كرانس مومنتانا، وهو البلاغ الذي هلل له النظام العسكري الجزائري وأذرعه الإعلامية والمخابراتية المأجورة التي رأت فيه فشلا للمنتدى.

في هذا التحليل سنحاول تقديم قراءة موضوعية للبلاغ الذي قرأه الناطق باسم الأمين العام، معتمدين على الحجج القانونية والتحليل السياسي، وذلك لكشف زيف الدعاية الجزائرية وكل المعسكر المعادي لملف وحدتنا الترابية.

اضطرت الأمم المتحدة عبر المتحدث الرسمي باسم بان كي مون لإصدار بيان تنفي فيه إيفاد أي ممثل لها في منتدى كرانس مونتانا، بعد كل الضغوطات التي مورست عليها طيلة الثلاث أيام الماضية.. وبررت تواجد فيليب دوست بلازي رئيس مؤسسة "يونيتيد" ونائب الأمين العام المساعد لمنظمة الأمم المتحدة المكلف بالتمويلات المبتكرة بمدينة الداخلة، بأنه يتواجد بصفة شخصية.. وقالت في آخر البيان بأنه "وفي الوقت الذي تمت الإشارة فيه من طرف منظمي المنتدى بأنه يقام فوق أرض مغربية، فالأمم المتحدة تسعى من خلال مسلسل المفاوضات إلى إيجاد حل متوافق عليه لنزاع الصحراء تحت إشراف الأمين العام بان كي مون..."

جدير بالذكر أن من أشار في وقت سابق لمشاركة الأمم المتحدة، في شخص نائب الأمين العام، ليست الصحافة أو جهات رسمية مغربية، بل اللجنة المنظمة للمنتدى المشهود لها بمصداقيتها وسط جميع الأوساط السياسية، وذلك عبر بيانين على موقعها الرسمي أكدت في أحدهما بأن الأمم المتحدة ممثلة على أعلى مستوى في شخص فيليب دوست بلازي، والثاني أكدت فيه مراسلة رئيس المنتدى للأمين العام من أجل الحضور شخصيا، وبأنه اعتذر نظرا لأن برنامجه لا يسمح.. وفي نفس النص تمنى نجاح المنتدى المقام بالمغرب. رئيس الحكومة الإسباني السابق أكد هو الآخر في تصريح لوكالة "إيفي" الإسبانية بأن رسالة قرأت باسم الأمين العام في المنتدى بلسان نائبه.

نفي الأمم المتحدة هو أمر طبيعي لأنها ليست طرف في النزاع وعليها أن تبقى على مسافة واحدة من أطراف النزاع، وهذا ما عبرت عنه في بيانها الذي أشارت في أسطره الأولى بأن الصحراء تحت حكم المغرب، أي أنها لم تقل بأنها "مستعمرة"... وقالت في الأخير بأن هدا النزاع يسهر عليه الأمين العام شخصيا، بمعنى أن صفته هذه تلزمه الحياد، وهو ما عبر عنه في هذا البيان الذي يمكن اعتباره إجراء روتينيا ومتوقعا لا عدوانيا تجاه المغرب، كما أرادت أن تصفه بعض المنابر التي لا تخفي عداءها للمملكة، وتتمنى لو أن المغرب دخل في صراع مع جميع الأطراف.

المغرب اليوم كسب الرهان.. بتنظيمه منتدى بهذا الحجم وباستقباله رؤساء دول وحكومات ووزراء سابقين وآخرين لازالوا يمارسون مهامهم.. باستقباله أيضا لرؤساء منظمات أو جمعيات اقتصادية وسياسية وصناع قرار في منتدى بحجم كرانس مونتانا.. واستطاع أن يظهر للعالم بأن كل ما تروج له الجزائر من ادعاءات وانتهاكات لحقوق الصحراويين وروايات استغلال الثروات هو افتراء وكذب، وهو ما يؤكده اختيار المنتدى لمدينة الداخلة المغربية كنموذج يحتذى به في القارة بأكملها، في الوقت الذي صدرت فيه تقارير مصدرها الاتحاد الأوروبي تفضح سرقة الجزائر للمساعدات الإنسانية المقدمة من الاتحاد نفسه لصحراويي مخيمات تندوف، والتلاعب في عدد الصحراويين للاستفادة من هذه المساعدات عبر بيعها في الأسواق الجزائرية ومالي وموريتانيا ودول الجوار.

تم القطع أيضا مع الصورة التي حاولت الجزائر تسويقها عبر التحدث عن عسكرة المدن الصحراوية وانتهاك حقوق الإنسان.. أزيد من 112 دولة ممثلة في تمثيليات رفيعة المستوى من جهات العالم الأربع حضرت للصحراء المغربية، وعاينت التطور العمراني الذي تشهده وإمكانياتها السياحية وبنياتها التحتية، ولم تخرج ولا تظاهرة واحدة أو وقفة، عكس ما تروج له الجزائر.. وبهذا يكون المغرب قد أوجد ملفا متكاملا يتمثل في منتدى كرانس مونتانا.. وشهادات كل من حضره من الشخصيات.. والاتفاقيات التي خرج بها ليسكت بها أي تضليل جزائري محتمل مع قرب إصدار المبعوث الأممي لتقريره الخاص أو كحجة يجابه بها الضغوطات التي تمارس على الاتحاد الأوروبي من أجل عدم استيراد منتوجات مغربية قادمة من الأقاليم الصحراوية، على أساس أن ساكنة الصحراء لا تستفيد منها... فاليوم مثل هذه المنتديات تقرب العالم من أقاليمنا الجنوبية، ونفرض بها أمر الواقع، سواء على المنتظم الدولي أو أطراف النزاع التي كانت إلى وقت ليس بالبعيد في مثل هذه الفترة من السنة تتعب المغرب بمناواراتها.. وها هي اليوم مكتفية فقط بالدفاع.

من ميزات هذا المنتدى أنه كشف بالملموس تورط بعض الصحافيين والمنابر في الدفاع عن الأطروحات الجزائرية المغلوطة والمضللة... فموقع "ألف بوست" الذي يسيره الحسين المجدوبي اتضح بالملموس وبما لا يدع مجالا للشك تورطه ضمن الشبكة التضليلية للإعلام الموجه ضد المملكة بتنسيق مع صديقه الصحفي الإسباني.. تم توجيه القارئ في إسبانيا أو متتبعي موقعه لنقطة واحدة وهي تواجد رئيس الحكومة الإسباني السابق في المنتدى، وحاولا بمناوراتهما المعهودة جعل مشاركة مسؤول إسباني بهذا الوزن التي تعتبر قيمة مضافة للمغرب.. شيئاً سلبيا بمحاولة إظهار الأمر، و كأن هناك إجماع في إسبانيا ضد مشاركته في المنتدى... بالرغم من أن الكل يعلم بأنه ليس بإمكان المسؤول الإسباني المشاركة في أي نشاط إلا إذا وافق له رئيس حزبه.

 ... المجدوبي وايغناسيو، حاولا توجيه الصحافة والرأي العام لمواضيع غير ذات أهمية أو محاولة إظهار المغرب في موقف المهزوم ديبلوماسيا من خلال التركيز على جزئيات غير مهمة، وتجاهلا بشكل مطلق الإشارة إلى أن تنظيم المنتدى بالأقاليم الجنوبية للمملكة تحت رعاية الملك محمد السادس هو في حد ذاته انتصار مغربي إستراتيجي.

... حضور رؤساء دول ومستشاري رؤساء ورؤساء حكومات وأحزاب الإيسيسكو ومنظمات عالمية، بالرغم من دعوات الجزائر لمقاطعته، يعطي شرعية للمغرب على صحرائه، ويؤكد بأن المغرب لا يعيش العزلة الإقليمية التي يروج لها أعداء الوحدة الترابية.

... لم تشر صحافة التضليل لمشاركة وفد مهم يمثل الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، وهو ما اعتبر حدثا أهم من حضور الرئيس الإسباني السابق، بحكم الثقل الذي تتمتع به جنوب إفريقيا بالقارة بالإضافة أنها حليف تقليدي للجزائر ولأن البعثة كانت رسمية.

اليوم المغرب يمكن أن نقول بأنه كسب الرهان.. فلقد سبق للملك أن قال بأن المغرب ماض في ممارسة سيادته على أراضيه ولن ينتظر توجيهات من أي كان.. تنظيم منتدى عالمي بهذا الحجم بحضور شخصيات وازنة بأقاليمنا الجنوبية ما هي إلا ترجمة لما قيل في خطاب الملك محمد السادس.. وكمغاربة نعلم جيدا بأن الجزائر ستعمل كل ما في وسعها لعرقلة أي تقدم للمغرب.. وننتظر منها ذلك، ومستعدون لهذه المناورات منها ومن بعض الانفصاليين وآخرين.. لكننا كلنا ثقة وإيمان في طاقات بلادنا.. ونعلم جيدا بأن هذه الأرض لن يفرقنا عنها إلا الموت.. فالأرض أرضنا بحقائق التاريخ والجغرافيا.