الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

لمن سيصوت الجيش والبوليس؟!

لمن سيصوت الجيش والبوليس؟!

أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤخرا، خمسا وأربعين توصية "من أجل انتخابات أكثر إدماجا، وقربا من المواطنات والمواطنين"، ضمنها مقترحا يفيد "تعديل القانون 57.11 الخاص باللوائح الانتخابية العامة من أجل القيد في اللوائح الانتخابية العامة، وفقط بالنسبة للانتخابات الجماعية، بالنسبة لأفراد القوات المسلحة الملكية العاملين من جميع الرتب وأعوان القوة العمومية وسائر الأشخاص الذين أسندت إليهم مهمة أو انتداب، ولو كان مؤقتا، كيفما كانت تسميتهما أو مداهما، بعوض أو بدون عوض، والذين يعملون، بتلك الصفة، في خدمة الإدارة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية، أو في خدمة مرفق عمومي كيفما كانت طبيعته والذين لهم الحق في حمل السلاح خلال مزاولة مهامهم". وتتأتي قيمة هذه التوصيات من كونها تصدر عن مؤسسة وطنية لها وضعها الاعتباري في الحياة القانونية الوطنية، وأساسا من حيث كون مداولاتها تشكل قوة اقتراح موجهة إلى صناع القرار.

على ضوء ذلك، يقرأ المتتبعون للوضع الحقوقي المغربي إصدار هذه التوصية كتعبير عن السعي إلى تأهيل الترسانة القانونية الوطنية بما يتلاءم مع متطلبات المجتمع الدولي، لاسيما وأن دولا عديدة في العالم، خاصة في أوروبا قد أقرت حق التصويت، بل والترشيح كذلك لحملة السلاح كما في ألمانيا، وفي جارتها فرنسا تم التجاوب مع أحكام المحكمة الأوروبية مؤخرا حيث تم الترخيص لرجال الدرك الفرنسي بحق تكوين الجمعيات. وهو ما يفيد أن المغرب معني بهذا التطور، ما دام قد انخرط منذ سنوات، وبقرار سيادي، في المنظومة الحقوقية الكونية.

لكن هذا الأمر يطرح مع ذلك محاذير تدفع مراقبين آخرين إلى أن ينحو باتجاه قراءة مخالفة لزاوية النظر السابقة. من ضمن ذلك مثلا قولهم إن إقرار حق التصويت لحملة السلاح قد يعني نقل تفاعلات الصراع السياسي إلى المجتمع الأمني والعسكري الخاص. ولنا أن نتصور مثلا أن تشهد هيئات القوى الأمنية تجاذبا بين أفرادها انتصارا لهذا الحزب أو ذاك. وهو ما قد يؤثر على مبدأي الانضباط العسكري والحياد المفروض أصلا في هذه الهيئات، خاصة أن المشهد الانتخابي لم يعرف بعد نضجا في إدارة الحملة، وفي نقاء الممارسة السياسية، يقول هؤلاء.

هناك تخوف ثان وارد، هذه المرة، من جهة ذات حساسية مختلفة. إننا نتذكر انتخابات 2011 التي قامت بها وزارة الداخلية أيام الطيب الشرقاوي بحملة قوية لتعبئة المواطنين من أجل التسجيل في اللوائح الانتخابية. وبالفعل فقد جنت الحملة ما كان متوخى منها، بحيث حصلت إضافة حوالي 1.5 مليون ناخب إلى السوق السياسية كناخبين جدد، الأمر الذي أعطى زخما لحزب العدالة والتنمية الذي تقدم آنذاك إلى السباق الانتخابي، مستثمرا خطابه التعبوي الشعبي والإيديولوجي، الأمر الذي جعله يبدو للناخبين طوق النجاة من اليأس المتراكم عبر التجارب السابقة. واعتبارا لذلك فإن التحاق حملة السلاح بالكتلة الناخبة في الاستحقاقات المقبلة قد يعزز حظوظ هذا الحزب أو ذاك، مما يؤثر على المعادلات السياسية القائمة.

هذه هي مسالك القراءة الخاصة بتوصية المجلس الوطني، وقد حاولنا رصد سياقات نشأة الفكرة والمحاذير الممكنة كما يرصدها مراقبو الشأن الحقوقي والسياسي المغربي، وسواء اتخذت التوصية سبيل التنزيل، أو تم إرجاؤها لاعتبارات متنوعة، فالمؤكد أن المغرب الحقوقي يسطر بذلك لحظة جديدة في تصوره للوعي المواطن، بما يعزز ترسانتنا التشريعية باتجاه إرساء لبنات مغرب الديمقراطية والمستقبل.

فما هي السياقات العامة التي أنضجت الوعي، داخل أروقة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باتجاه إصدار توصية تقضي بتوسيع الهيئة الناخبة من خلال السماح لحملة السلاح من أفراد القوات المسلحة الملكية، ولرجال الأمن والدرك الملكي والقوات المساعدة، وحراس السجون ورجال الجمارك أصحاب الزي، بحق التصويت في الانتخابات الجماعية المزمع تنظيمها في شتنبر 2015؟ وما هي الاعتبارات التي قد تزكي هذا التوصية إيجابيا، أو قد تدفع إلى ما يمكن تقديره كمحاذير قد تحيط بالفكرة أو تعطلها لآجال لاحقة من أجل تداول أعمق؟

هذه الأسئلة تجيب عنها "الوطن الآن" في غلاف عددها الأخير الذي تجدونه في جميع الأكشاك بعنوان: "سجال أثارته توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان بحقهم في التصويت: لمن سيصوت الجيش والبوليس؟!" 

605