الجمعة 19 إبريل 2024
في الصميم

«الوطن الآن» ونفاق النخبة الفرنسية!!

«الوطن الآن» ونفاق النخبة الفرنسية!!

في عهد الديكتاتور جعفر النوميري، رئيس السودان السابق، تم الحكم على صحافي بالإعدام مما خلف موجة من الاستياء الدولي. وحل وفد حقوقي أممي لحث الرئيس النوميري على العدول عن تنفيذ القرار. الرئيس السوداني استقبل الوفد الأممي وقال لهم: «إن هذا الصحافي وقح وله سوابق جد مشينة مع الموروث السوداني، ففي المرة الأولى كتب مقالا يسب فيه الذات الإلهية وحكمنا عليه بالإعدام وتدخل جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي السابق، وقلنا لا بأس وأصدرنا عفوا عن الصحافي. وللأسف عاد الصحافي إلى شغبه المستفز وكتب مقالا يتهكم فيه من الرسول الكريم وحكمنا عليه بالإعدام فتدخلت دانيال ميتيران، زوجة الرئيس الفرنسي السابق، وقلنا الله يسامح وعفونا عنه. حماقات الصحافي لم تنته، إذ عاد لتهجماته وكتب مقالا يقول فيه إن القرآن ليس وحيا وحكمنا عليه بالإعدام وتوسلت إلي منظمة العفو الدولية للعفو عنه واستجبت لها وألغيت حكم الإعدام ضد هذا الصحافيلكن أن يتجرأ هذا الصعلوك ويكتب مقالا ضدي فهذا ما لن أغفره أبدا وسيطبق حكم الإعدام ضده اليوم. و«سدات مدام»!!

هذه النكتة التي نسجها الخيال الشعبي السوداني في أوج ديكتاتورية النوميري، تصدق بامتياز على النخبة الفرنسية. إذ أن سب الرسول المصطفى في نظر الحكومة الفرنسية والإعلام الفرنسي هو ترجمة لحرية التعبير وليس استفزازا لربع البشرية وإهانة لأقدس رمز يؤمن به مليار ونصف المليار مسلم. وبالتالي ترى الحكومة الفرنسية، ومعها الإعلام هناك، أن كل من ينتقد تناول النبي الكريم بالكلام النابي أو الرسم المهين هو شخص حقير وتافه. لكن أن يتم انتقاد فرانسوا هولاند فتلك -في نظر الحكومة الفرنسية والنخبة- هي أم الكبائر وأفظع الجرائم التي تستوجب، ليس تأليب النيابة العامة والقضاء ضد كاتب هذه السطور، بل وتتطلب تحريك البوارج الحربية والفيالق العسكرية الفرنسية لقصف المغرب وإعادة استعماره.
«الوطن الآن» حين نشرت الغلاف الماضي تحت عنوان: «يعيشون إرهابا عاشه اليهود زمن النازية.. هل سيحيي الفرنسيون محرقة هتلر لإبادة المسلمين في فرنسا»، مرفوقا بصورة مركبة للرئيس هولاند في زي نازي، فقد كان الغرض منه تنبيه النخب السياسية بالمغرب وبفرنسا إلى الانزلاقات الخطيرة التي تعرفها فرنسا بسبب التنامي الفظيع لمشاعر الكراهية ضد المسلمين هناك بدون أن تأخذ الدولة الفرنسية مخاوف المسلمين الذين يعيشون هناك على محمل الجد اللازم. وبالتالي كنا ننتظر أن يسلط الإعلام الفرنسي كشافات ضوئه على معاناة 6 ملايين مسلم (أي 7.5 في المائة من سكان فرنسا) مع الإسلاموفبيا والقيام بتحقيقات وروبورتاجات تروم تقييم السياسة العمومية لحكومة فرانسوا هولاند وفشلها في وقف المد العدائي ضد المسلمين، على اعتبار أن فرنسا يجسدها الرئيس كرمز للدولة. ولا يهمنا هنا العائلة السياسية التي ينتمي إليها الرئيس بقدر ما يهمنا الموارد الرمزية والدستورية التي يتوفر عليها لضمان أمن الأفراد والجماعات والأقليات التي تعيش في فرنسا.

فالإخوة كواشي وكوليبالي مجتمعين لا يتعدون رقم 3، ومن العار أن يتم تعليق كل المآسي والإخفاقات والإحباطات العامة والخاصة بفرنسا على 6 ملايين مسلم، لدرجة أن الفرنسية المسلمة أو المهاجرة المسلمة المقيمة بشكل قانوني تمنع من العمل ليس لعدم كفاءتها بل لارتدائها الفولار. والشاب الفرنسي المسلم العاطل مثل زميله المهاجر المسلم يحرم من فرص الشغل ليس لعدم أهليته بل لأن اسمه أحمد أو عمر أو حسن.

لكن ظهر أن غلاف العدد السابق لـ «الوطن الآن» لم يكشف انزلاق فرنسا نحو المد النازي والعدائي نحو المسلمين، بل وكشف نفاق النخبة الفرنسية بخصوص تشبعها الناقص بحرية التعبير لدرجة أن هذه النخبة السياسية والإعلامية لم تستفزها الإهانات المتتالية ضد الرسول الكريم وبالمقابل استفزها الطفل المسلم الفرنسي أحمد بمدينة نيس ذو 8 سنوات الذي «جرجره» البوليس الفرنسي في التحقيقات الأمنية حول الإرهاب دون أن يرتفع صوت عاقل في فرنسا ليقول "اللهم إن هذا لمنكر. اليوم نحاكم طفلا عمره 8 أعوام وغدا ستنزلق فرنسا لمحاكمة الرضع المسلمين".

يا للخيبة على المنزلق الذي انحدرت إليه فرنسا!!