الجمعة 26 إبريل 2024
في الصميم

ما الفرق بين هتلر وهولاند!؟

ما الفرق بين هتلر وهولاند!؟

كشف الهجوم على أسبوعية «شارلي إيبدو»، يوم السابع من يناير 2014، عددا من المفارقات التراجيدية التي تطبع الوضع العام الفرنسي، حيث سقط القناع عن السلوك السياسي لساكن الإليزي، وحزبه، وعن إيديولوجيته المنافقة، وعن ادعاء انتمائه إلى القيم الجمهورية المتأصلة منذ عصر الأنوار إلى اليوم.

إن سقوط القناع لا يُتبين من طبيعة الخطابات التي ألقاها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عقب الحادث المذكور، والتي اتسمت في طابعها العام بنبرة التهدئة، وبترديد عبارات الاحترام المحفوظ لكل الأديان لتأكيد أن الساسة يضعون كل المعتقدات على قدم المساواة. ولكنها تتضح من خلال السلوك التمييزي تجاه متديني فرنسا. وإلا كيف يستسيغ المتتبع أن يرى السياسة الرسمية لفرانسوا هولاند تسخر كل طاقاتها الإدارية والأمنية واللوجيستيكية لحماية الكنائس والمدارس اليهودية، ولا تسخر مثل ذلك لحماية المساجد التي عرفت منذ سابع يناير (تاريخ الهجوم على «شارلي إيبدو») حالات اعتداء متواترة بإيقاع يومي سريع، من بينها ما وقع في عدد من المدن الفرنسية مثل مدينة «لو مان» بالغرب، حيث تم إلقاء ثلاث قنابل يدوية صوتية على أحد المساجد، كما تم إطلاق الرصاص على قاعة للصلاة في مدينة «بور لا نوفيل» بالجنوب. الشيء نفسه حدث بمدينة «ليون» في الشرق، حيث حدث انفجار أمام محل لبيع «الشاورما» بجوار مسجد هناك، وهو ما أثار حفيظة المسلمين في كل بقاع العالم، وصدرت بخصوصه بيانات الشجب والإدانة والتنديد بتقصير السلطات الفرنسية في القيام بدورها في توفير شروط الحماية لدور العبادة الإسلامية على غرار ما يتم إعداده لحماية الكنائس والمدارس اليهودية وغيرها.

إنه وضع تمييزي صارخ يجعل الفرنسيين المسلمين آو المهاجرين المسلمين المقيمين بفرنسا عزلا أمام النزوع المتطرف المتصاعد داخل المجتمع الفرنسي، خاصة مع التنامي اللامبرر لظاهرة الإسلاموفوبيا، تماما كما لو أن مسلمي فرنسا والمهاجرين المسلمين مواطنون من درجة سفلى، والحال أن التاريخ يشهد بدورهم الحقيقي في بناء فرنسا ما بعد الحرب، وبالتزامهم بالتقيد بالضوابط، وبانخراطهم الفعلي في تمثل القيم الجمهورية، إضافة إلى حجم كثافتهم السكانية الوازنة، ونوعيتها ضمن النسيج السوسيو ثقافي العام.

إن الوضع المتبع رسميا ليعبر في جوهره عن حقيقة السياسة الفرنسية القائمة، رغم أقنعتها الليبرالية، على اعتبار الفرنسيين المنحدرين من أصول إفريقية وإسلامية وعربية مجرد عرق آخر لا يسمو إلى العرق الأوروبي، ولذلك وضعتهم تلك السياسة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ضمن "غيتوهات" مهمشة، وفي إطار شروط عيش مقرفة وظالمة، تبرزهم كما لو كانوا يقيمون في دول بعيدة عن الحضارة الأوروبية وتاريخها وقيمها. وها هي فرنسا اليوم تجني ثمار هذه السياسة الإقصائية التمييزية، فالجناة القتلة فيالأحداث الأخيرة هم أبناء فرنسا ومواطنوها. ولأن اليسار السياسي الحاكم لا يقرأ التاريخ بمبادئ النقد والنقد الذاتي وإقامة المسافة في التحليل، فإنه يواصل سياسته التمييزية والعنصرية القائمة على وهم "العرق الصافي"، وعلى اعتبار الفرنسيين المسلمين والمواطنين المنحدرين من تلك الأصول "جنسا شيطانيا". يواصل ذلك من خلال تعميق خط الإقصاء الممنهج والاجتثاثي، ومن خلال اتباع النموذج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الليبرالي المتوحش. كما يواصلها من خلال عدم إقرار سياسة حمائية لمسلمي فرنسا في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ المسلمين، حيث يريد الجميع أن يجعلهم قميصعثمان ليعلقوا عليه كل آثامهم وفشل سياساتهم، وكل تاريخهم الإقصائي، وليحملوه أوزار كل سلوك إرهابي.

لأجل كل ذلك لا نرى فرقا بين هتلر وهولاند. الأول أعد «الهولوكست» النازي لقهر اليهود في أربعينيات القرن الماضي، والثاني يمهد طريق الإقصاء لـ "هولوكست" جديد تتهيأ كل نوايا الشر لإعداده لمسلمي فرنسا، وذلك في تراجع رهيب عن منجزات العقل الكوني، وعن تاريخ وحضارة روسو ومونتيسكيو وديكارت وموليير...

هتلر الجديد يجعل فرنسا مقبلة، للأسف الشديد، على الانتحار.