الجمعة 19 إبريل 2024
في الصميم

رسالة إلى هولاند: المغرب ليس بلدا خنوعا ومحمية فرنسية!

رسالة إلى هولاند: المغرب ليس بلدا خنوعا ومحمية فرنسية!

إن فرنسا ما بعد 7 يناير 2015 هي غير فرنسا ما قبله. وبكل تأكيد، فإن صناع القرار السياسي وخبراء الأمن ومهندسي الثقافة يواصلون إلى اليوم تدارس السبل الممكنة لتصريف هذه القناعة الجديدة، ولمواجهة الحرب المعلنة على فرنسا الأنوار وحقوق الإنسان، الحرب التي تعي النخبة الفرنسية اليوم أنها ليست مصَدرة إليها من الشرق المظلم، أو من الجنوب الفقير كما كان الاعتقاد سالفا. لكنها الحرب القادمة إليها من ضواحي المدن الفرنسية ومن طبيعة السياسات الفرنسية المتعاقبة التي كان من نتائجها إقرار مقاربة غير منصفة للفرنسيين المنحدرين من أصول عربية وإسلامية وإفريقية الذين حشرتهم فرنسا في «غيتوهات» بهوامش المدن وتناست دورهم في إنتاج الثروة الفرنسية وأقصتهم من ثمار الاندماج والترقي الاجتماعي. ولذلك تجد فرنسا الجريحة نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في ذاتها، بما يفرض مقاربة أمنيةـ اجتماعية جديدة تضع الفرنسيين (أيا كانت أصولهم وديانتهم ولونهم) على قدم المساواة، ليغنموا جميعا بالقيم الجمهورية الفرنسية. كما يفرض ذلك مقاربة مغايرة لطبيعة الوجود الفرنسي في العالم، حيث تأكد فشل ذلك الخطو الأعمى الذي كانت تنجر إليه فرنسا وراء الأطروحة الأمريكية في معالجة الإرهاب واستبلاد واستعباد الشعوب.

في هذا الإطار بادر الكثير من السياسيين الفرنسيين السابقين إلى تنبيه قصر الإليزيه إلى بعض مظاهر هذا العماء، ومن ذلك ما يهم العلاقات المغربية الفرنسية التي شهدت، على امتداد السنة الفارطة، علامات توتر غامض لا تفسير له سوى تمسك فرنسا بسلوك العجرفة  والتكبر تجاه بلادنا، بدءا من إهانة المسؤولين السامين المغاربة، وانتهاء بالقرار المغربي بتوقيف التعاون القضائي بين البلدين كرد فعل طبيعي تجاه هذا السلوك المتعالي، في الوقت الذي يشهد المنتظم الدولي، وضمنه الأوروبي، بالدورالفعال الذي يقوم به المغرب، سواء في مكافحة الإرهاب، أو في انتهاج سياسة وقائية واستباقية تقوم على الشراكة والاحترام المتبادل، خاصة مع الجارالإسباني.

إن ما وقع داخل البيت الفرنسي ليثبت أن إهانة المغرب والمغاربة كان سلوكا خاطئا مائة في المائة من طرف «الهولنديزميين» (نسبة إلى هولاندا)، وأن أضرار وقف التعاون المشترك ثمن مكلف على البلدين. ولذلك ينبغي تدارك الزمن الضائع. وهو ما لا يمكن أن يتحقق سوى بأن يقتنع الساسة الفرنسيين، واليساريين في مقدمتهم، بأن المغرب لم يعد تلك الصورة الكولونيالية العميقة التي تقدم المغرب كبلد خنوع تابع وكمحمية بدون سيد. بل صار بلد التحول، مسنودا في ذلك بالتقدم النسبي في تعزيز لبنات حقوق الإنسان رويدا رويدا، وإنضاج ترسانته التشريعية وممارسته السياسية، وبالتعامل السلس مع تفاعلات «الربيع الأصولي»، أو "الترويع العربي".

إن على فرنسا أن تختار إما التعامل مع المغرب كامتداد، وكأفق شراكة متحول باستمرار، أو تظل رهينة النظرة الاستعمارية القديمة. وفي تصورنا فالاختيار الأول هو الذي يتماشى مع رحابة فرنسا الأنوار، ويتجاوب مع طموح المغاربة في إقرار شراكة مفتوحة مع شركائها، وفي صدارتهم الفرنسيون أولا، للارتباطات التاريخية، وللانتظارات الجيوستراتيجية بين البلدين. ونحن إذ نؤكد على نجاعة هذا الاختيار فلأننا نرى في انتصار فرنسا على عجرفتها، وعلى أعدائها في الداخل والخارج هو انتصار للمغرب الديمقراطي والحداثي الذي يسعد بوجود شركاء أقوياء. ولعل هذا أبرز دروس الموجة الإرهابية التي زلزلت فرنسا.

فهل ستكون فرنسا فرانسوا هولاند في الموعد مع التاريخ؟ أم أنها ستنجر مجددا إلى العماء، وستخذل نفسها، قبل أن تخذل شركاءها التاريخيين؟