الخميس 25 إبريل 2024
في الصميم

في الحاجة إلى تجفيف "مصرنة" المغرب وإلى بروفيل جديد لسفير الرباط بمصر

في الحاجة إلى تجفيف "مصرنة" المغرب وإلى بروفيل جديد لسفير الرباط بمصر

واجه السفير المغربي بالقاهرة، سعد العلمي، أياما عصيبة بعدما فوجئ كغيره من المغاربة ببث القناة الأولى و"الدوزيم" لتقارير إخبارية تتحدث عن "الانقلاب العسكري" وباغتصاب شرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي بمصر؛ وهي الخطوة التي فرضت عليه بأن يقول، وقد أسقط في يده، إن شخصا "غير معروف يريد الوقيعة بين البلدين" كمحاولة لإطفاء الحرائق التي بدأت تلوح في أفق العلاقات الثنائية.

هل كان بإمكان سعد العلمي أن يقول غير ذلك خاصة أنه حتى الآن لم تستطع أي جهة أن تقدم للمغاربة تفسيرا لما حدث؟ من هو هذا الشخص غير المعروف الذي أراد أن يوقع بين البلدين؟ ولماذا لزمت الخارجية الصمت؟ وهل الأعراف الديبلوماسية تقتضي الاستكانة إلى صمت الجدران، حتى تمر العاصفة؟

ما وقع لا يمكن ترجمته إلا بالارتجال الديبلوماسي، ذلك أن إصلاح ما أفسده التلفزيون المغربي "الرسمي" أصبح، الآن مهمة صعبة، ولكنها غير مستحيلة، قد تستغرق وقتاً وجهداً كبيرين، مما يتطلب الاستعانة برجل ترعرع في كنف العمل الديبلوماسي وخبر مصر وناسها وأعرافها واشتغل فيها، وتمرس في العمل الديبلوماسي العربي، وعلى دراية واسعة بمداخل ومخارج العلاقات الدولية،على المستوى السياسي والقانوني، والاقتصادي، والإنساني أيضا، وله إسهامات وكتابات فكرية ساعدت على تفكيك تداعيات الربيع العربي وفك شفراته.

وحتى لا نذهب بعيدا، فلنا في العلاقات الأمريكية-المصرية خير مثال، حيث تعكرت تلك العلاقات بفعل إقدام عبد الفتاح السيسي على تنحية الرئيس الإخواني محمد مرسي، دون الرجوع إلى أوباما. ولاحظنا كيف أصرت الديبلوماسية والإعلام الأمريكين على تسمية ما وقع بـ "الانقلاب العسكري"، وتتبعنا كيف احتدم الخلاف ووصل إلى حدود تفتيش وزير الخارجية الأمريكي بمطار القاهرة. وقد طغى البرود الديبلوماسي بين البلدين لمدة 15شهرا، إلى أن قامت واشنطن، بعدما تبين لها أن النظام المصري أصبح رقما في معادلات المنطقة، بتعيين روبيرت بيكروفت، الرجل الذي أبان عن استعداد للعمل بشكل مكثف على إصلاح العلاقات المتوترة، من خلال تعزيز المصالح المشتركة بين البلدين، وتنفيذ المصالح المرتبطة بشكل وثيق بالأمن القومى الأمريكى، وذلك من خلال زيادة الاستثمارات، ودعم النمو الاقتصادى، بالإضافة إلى مساعدة البلاد على مواجهة العنف، والتحول نحو الديمقراطية، وحث الحكومة على احترام الحقوق الأساسية لجميع المصريين.

اختارت واشنطن بيكروفت ليس لأن وراءه حزب أو لأنه مقرب من شخصية نافذة أو لإبعاده من فضيحة مالية أو سياسية، بل لأن سيرته المهنية تتضمن خبرة مهمة في العمل الدبلوماسي، كعمله سفيرا للولايات المتحدة فى الأردن فى الفترة من غشت 2008 وحتى يونيو 2011، قبل أن يلتحق بالبعثة الدبلوماسية بالعراق كقائم بالأعمال، فى يوليوز 2012، ثم سفيراً للولايات المتحدة بالعراق، فى أكتوبر من نفس العام، وعمل فى السفارتين الأمريكيتين فى سوريا والسعودية. كما شملت مهام السفير بيكروفت السابقة العمل فى واشنطن كمساعد تنفيذى لاثنين من وزراء الخارجية السابقين وهما كولن باول، وكونداليزا ريس، ومساعداً خاصاً لنائب وزيرة الخارجية. وشغل أيضاً عدة مناصب فى السكرتارية التنفيذية ومكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية، وهو حاصل على العديد من جوائز الاستحقاق، والتفوق، وجوائز الشرف من الخارجية الأمريكية.

هذا هو الرجل الذي اختارته واشنطن لرأب الصدع بينها وبين نظام السيسي، وما يلزمنا نحن هو سفراء وديبلوماسيين من الطينة نفسها اشتغلوا بالقاهرة وبالمنطقة العربية، ولهم إلمام واسع بالعالم العربي وبالقانون الدولي أو الدبلوماسي ويتوفرون على خبرة في مجالات التفاوض والعمل الدبلوماسي والقانوني وحضور المؤتمرات الدبلوماسية والقانونية، فضلا عن رئاسة الوفود إلى المنظمات الإقليمية والدولية. نحتاج إلى سفراء مهنيين عاملين ويدركون أهمية وظيفتهم وحساسيتها.

مصر شئنا أم أبينا، دولة لها رقم في المعادلة العربية والإسلامية والإفريقية.. وبقدر ما نحتاج إلى استخلاص الدروس من الأزمة الحالية بين الرباط والقاهرة بقدر ما علينا التركيز على أولويتين:

الأولى تخص تجفيف منابع مصرنة -نسبة لمصر- المغرب في المناهج الدراسية وفي الإذاعة والتلفزة وفي الشوارع عبر حذف كل ما يعلي من صورة المصريين في المتخيل المغربي. فمن العار أن ندجن المغربي منذ طفولته على تأليه مصر بحفظ كتابها وشعرائها وسياسيها ورياضييها وممثليها، و"نطلي" كتبنا التعليمية وواجهات مؤسساتنا وشوارعنا بأسماء مثقفي النخبة المصرية، بينما نحتقر النخب المغربية التي قدمت عطاءات في السياسة وفي الاقتصاد وفي الفكر وفي الأدب وفي الغناء وفي العلوم وفي الرياضة وفي المقاومة وفي الجيش بالحدود ولا نتغنى بأمجادهم في كتبنا المدرسية وفي أغانينا وفيأسماء شوارعنا وواجهات مرافقنا.

الثانية: البحث منذ اليوم عن سفير جديد "حربي" و"انتحاري" تتوفر فيه مواصفات البروفيل الذي ذكرنا ليكون خير ممثل للمغرب في دولة كانت علاقتنا معها منذ البداية علاقة تنافر وتنافس.