في الطريق إلى أولاد عمران استحضرت شريطا من الصور والأحداث والمواجهات التي كان يقودها ثلة من الاتحاديين البسطاء وقاعدة واسعة من ساكنة المنطقة لدعم ومساندة ثلاثة مستشارين جماعيين بالمجلس القروي لجماعة أولاد عمران ضد لوبيات الفساد ومافيا الانتخابات التي كانت تدعمها السلطات المحلية خلال فترة 1992/1993، فتناسلت في ذهني هذه الأسئلة وأنا امتطي صهوة فرس ركراكة، الحافلة المتجهة من اليوسفية صوب الدار البيضاء عبر مجال منطقة دكالة الخصبة والغنية بمنتوجاتها الفلاحية والزراعية:
هل وصل المفهوم الجديد للسلطة ومعايير الحكامة والتدبير والتسيير الجيد إلى هذا المجال الدكالي التابع لإقليم سيدي بنور؟ هل مازال نفوذ وسلطة قيادة أولاد عمران مبسوط على خمسة جماعات قروية دفعة واحدة تم إحداثها للتحكم في الخريطة السياسية؟ كيف هي وضعية المرافق الإدارية والصحية والثقافية والاجتماعية، وهل تستجيب لحاجيات الساكنة؟ هل تم إصلاح وتنظيم السوق الأسبوعي ومرافقه الاقتصادية التي تدر مداخيل سنوية جد مهمة لجماعة أولاد عمران؟ وهل الشارع الرئيسي اليتيم بالمركز عرف تغييرا معماريا وجماليا، أم أن ظاهرة احتلال الملك العمومي هي سمته الأساسية؟ كيف هو واقع حال الساكنة العمرانية، بكل من جماعة أولاد عمران وجماعة كدية بني دغوغ وجماعة تامدة وجماعة كريديد وجماعة لحكاكشة التابعين لنفوذ قيادة أولاد عمران برأس قائد واحد استطاع أن يشكل الاستثناء الإداري ضد مصالح المواطنين على جميع الأصعدة حسب العديد من الشهادات التي استقتها الجريدة ميدانيا؟
حصار الطبيعة وحصار العقليات
استقبلتنا أراضي دكالة البهية بكسوتها الخضراء التي لبستها مع هطول أمطار الخير الأخيرة، رغم ما خلفته من تدمير لكل الطرقات والمسالك الرابطة بين العديد من الدواوير ومركز قيادة أولاد عمران، بل إن بعض الدواوير مازالت محاصرة بفعل بحيرات المياه والأوحال، نظرا لقوة سيول واد بوشان الذي يخترق المنطقة عبر الطريق المؤدية إلى مراكش.. وقد تضررت القنطرة الوحيدة التي يستعملها المواطنون وغمرتها المياه والأوحال، مما يستدعي تدخلا استعجاليا لقطاع التجهيز لفك العزلة عن المتضررين من الساكنة وتوسيع وتقوية القنطرة المذكورة التي أضحت تهدد أرواح البشر والحيوان...
السوق الأسبوعي بأولاد عمران يغرق في الوحل
هذا وجدير بالذكر أن مجموعة من الدواوير التابعة لجماعة كدية بني دغوغ مازلت محاصرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر دواوير كل من (لعرابات، العلاوات، لخياية، لفخاخرة، لكويدات، عزيب القايد، عزيب التهامي...)، مما تسبب في تعطيل الدراسة للعديد من التلاميذ رغم أن المسافة الفاصلة بين الضرر الطبيعي ومركز قيادة أولاد عمران لا يتعدى 800 متر.. وفي نفس السياق لا بد من الإشارة إلى أن الجمعية العمرانية للتنمية كانت قد راسلت والي جهة دكالة عبدة وعامل إقليم سيدي بنور بتاريخ 17 شتنبر 2014 بخصوص فتح تحقيق في موضوع المسالك الطرقية المحدثة الرابطة بين مجموعة من الدواوير بجماعة أولاد عمران، نظرا لما عرفته من تلاعبات وغش افتضح أمره مع أول قطرات الغيث علاوة على طرح ذات الجمعية مشكل فك العزلة عن ساكنة كل من دوار لقدادرة ودوار لعمارنة من خلال إصلاح الطريق الرابطة بينهما بنفوذ جماعة أولاد عمران، والمطالبة بإصلاح مسالك طرقية أخرى بجماعة كدية بني دغوغ.
فوضى وعشوائية واحتلال للملك العمومي
من الهامش حاولنا ولوج المركز لاستقصاء أمر المرافق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية، وكانت حيرتنا كبيرة مع العشوائية التي يتخبط فيها الشارع الرئيسي بقيادة أولاد عمران، الشارع الذي حوله البعض إلى فضاءات لعرض كل شيء يخطر بالبال دون الخضوع لمعايير الجودة والسلامة الصحية، من مأكولات، ولحوم وخضر وإسمنت وحديد ودقيق وأواني، بعدما تم إعدام الحديقة الوحيدة التي كانت تؤثث الشارع ولم يعد لها أثر.. بل إن العربات المجرورة بالدواب والشاحنات وطاكسيات الأجرة، والحافلات تحتل الجزء الأكبر من الشارع الرئيسي دون تنظيم يذكر في غياب تام لمن أوكلت لهم مأمورية السير والجولان والتنظيم.. الأغرب من ذلك أن قرارا عامليا كان قد صدر بتاريخ 10 أكتوبر 2014 تحت عدد 5562 اتخذ في شأن وضع حواجز للتخفيف من السرعة أثناء الوصول لمركز أولاد عمران مازال لم يفعل لأسباب مجهولة رغم نداءات فعاليات المجتمع المدني التي تطالب بهيكلة الشارع وتنظيمه على اعتبار أنه مرآة لوجه المركز، وممر للعبور داخل السوق الأسبوعي الذي تحول إلى بحيرات وأوحال تحيط بالتجار وسلعهم المعروضة وتحاصر المتبضعين من كل صوب وحدب في غياب تام للمجلس القروي للجماعة والسلطات المحلية التي كان من المفروض أن تتدخل لتسهيل مأمورية الوافدين إلى السوق وتنظيمه بشكل مسئول.. فعلا كل أزقته مقطوعة ومرافقه ممتلئة بالأزبال والنفايات المختلفة، سواء برحبة الحبوب والقطاني والأعلاف أو برحبة الخضر.. والأغرب من هذا وذاك أن هناك سلعا مغشوشة تهدد سلامة المستهلكين تروج بالسوق الأسبوعي، حيث أفادتنا بعد المصادر بأن هناك بعض أنواع أسمدة الكسكس تباع بأثمنة جد بخسة، بعدما تم طحن وتحويل المعجنات المنتهية الصلاحية "القادمة" من المتاجر الكبرى ببعض المدن المغربية إلى سميد الكسكس، مما يتعين معه القيام بحملة تطهيرية لمحاربة كل اشكال الغش الممارس بالسوق الأسبوعي..
المركز الصحي باولاد عمران
وكان ذهولنا كبير ونحن نتجول بمرفق عرض وبيع اللحوم ومجزرة الذبائح التي تفوح منها روائح شبيهة بالجيف ممزوجة بفضلات أحشاء البهائم وريش الديك الرومي والدجاج المعروض بطرق مذلة تحط من كرامة المستهلك الدكالي، حيث مازالت المجزرة -ومنذ زمن بعيد- لم تطلها أيادي الإصلاح والترميم والمراقبة. والأخطر من ذلك أن هذا الفضاء قريب جدا من البئر المزودة لساكنة مركز قيادة أولاد عمران بالماء الصالح للشرب الذي تسهر عليه ذات الجماعة وتتحكم في فواتيره الباهظة الثمن رغم الانقطاعات المتتالية للماء.. بل إن بعض المواطنين أكدوا لموقع "أنفاس بريس" أنهم يستغربون للمياه القادمة من البئر عبر أنابيب منازلهم وهي ممزوجة بالتراب والحشرات، مما قد يتسبب في أعراض مرضية للمستهلكين، حيث طالبوا بضرورة تفويت المرفق للمكتب الوطني لتوزيع الماء حتى يتسنى لهم ضمان جودة المياه الصالحة للشرب ، ومراقبة ينابيعه وصيانة تجهيزاته.
النسيان والإهمال يطال البشر والحجر
حملنا كل هذا الاستهتار واللامبالاة بغصة كبيرة في القلب، وقلنا ربما أن اهتمامات المجلس القروي لجماعة أولاد عمران تنصب اليوم في اتجاه المرافق السوسيوثقافية واجتماعية ورياضية آملين أن يتبدد هذا الظلم الأبدي الذي علق بالمنطقة وأضحى قاسما مشتركا بين كل الجهات الوصية على تدبير الشأن المحلي بقيادة أولاد عمران، لكن خيبتنا كانت أكبر لما رأينا طوابير من النساء والأطفال مصطفة أمام المركز الصحي الذي طاله النسيان والإهمال وتحول إلى مستودع كبير للنفايات والأزبال التي تؤثث كل جنباته.
وحسب الشهادات التي استقيناها من عين المكان، فلم يعد ذات المركز يقوم بأدواره الصحية لفائدة الساكنة في غياب الموارد البشرية الطبية والممرضين والممرضات الذين لا يتجاوز عددهم بضعة أفراد لا يمكن لهم تغطية المطالب الملحة لساكنة تعاني من انعدام الحق في الولوج للخدمات الصحية الأساسية في غياب دار الولادة والمستعجلات والنقص الفظيع في الأدوية والتجهيزات الأساسية، رغم النداءات والمراسلات المتوالية التي توصلت بها الوزارة المعنية في هذا المجال والمعنيين بقطاع الصحة جهويا وإقليميا من طرف الجمعية العمرانية للتنمية.
واجهة صيدلية أولاد عمران
ونتساءل مع الرأي العام المحلي، متى سيتم تفعيل مطلب إحداث مستشفى محلي يضمن الحد الأدنى لمطالب النساء الحوامل اللواتي يجبرن على التنقل لكل من مدينة سيدي بنور أو الجديدة وأسفي واليوسفية من أجل الوضع وما يترتب عن ذلك من مشاكل مادية ونفسية ومعنوية للأسر العمرانية؟
وفي سياق متصل بالبنيات الأساسية، صدمنا بعد أن وجدنا بناية دار الشباب مغلقة نهائيا ولم تقدم خدماتها الثقافية والتربوية منذ إحداثها رغم ما صرف عليها من ملايين، بل إن أغلب مرافقها تم تخريبها والسطو على أبوابها، رغم المراسلات المرتبطة بالموضوع في أفق تحصين هذه المنشأة الشبابية وتجهيزها وفتحها في وجه الجمعيات المتواجدة بالمنطقة، والتي بعثت بها الجمعية العمرانية للتنمية بتاريخ 18 شتنبر 2014 للوزارة الوصية ولعامل الإقليم.. بل إن المجلس القروي لم يقدم أدنى منتوج على أرض الواقع يروم تحصين فئة الشباب والطفولة والمرأة، حسب العديد من المصادر المحلية، وتوفير فضاءات خاصة بهذه الفئات المجتمعية، ثقافيا ورياضيا واجتماعيا، باستثناء وجود دار الطالب ودار الطالبة كمؤسستين للرعاية الاجتماعية تم إحداثهما سابقا ولا يستفيد منهما إلا قلة قليلة من المحضوضين بعد أن تم إقرار مبلغ 1000,00 درهم كواجب للاستفادة من خدماتهما سواء بالنسبة للفتيات أو الفتيان، دون الحديث عن التجاوزات التي طالت قانون 14/05 المرتبط بإحداث وفتح مؤسسات الرعاية الاجتماعية سواء على مستوى المعمار أو على مستوى التوظيف أو الإقامة والتغذية والخدمات التربوية والاجتماعية.
مرورا بملف التعليم
أما بخصوص العملية التعليمية ومخططها ألاستعجالي، فالكل يجمع بمنطقة أولاد عمران على أن هناك نقصا مهولا في النقل المدرسي وفي الحجرات الدراسية، وانعدام المرافق الصحية ببعض المجموعات المدرسية وفرعياتها التي تشكو النقص من كل شيء، دون الحديث عن التجهيزات والمعدات اللازمة والسكن الوظيفي، مع تسجيل عدم انطلاق عملية المطاعم المدرسية بالمنطقة وغياب الحراسة بالمؤسسات التعليمية التي تتحول في بعض الأحيان خلال العطل المدرسية إلى أوكار وملاذ للصوص والمنحرفين .
مطالب وعرائض ملحة ومستعجلة
لقد طالبت عدة أصوات محلية بضرورة ربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة، بعدما تبين أن هناك العديد من الخروقات والتجاوزات التي تطال تدبير الشأن المحلي الذي أضحى حكرا على بعض العائلات، وتغلغلها في الوسط السلطوي والإداري والمالي، وتحويل العمل الجماعي إلى مصدر للاسترزاق بقيادة أولاد عمران. ومن جهة أخرى فقد وقف موقع "أنفاس بريس" على الخصاص المهول في البنية التحتية والمرافق الاجتماعية والثقافية والرياضية والبيئية، مما يتطلب وضع مخطط استعجالي لتنظيم الشارع الرئيسي وتحرير الملك العمومي ورد الاعتبار للمجال البيئي من خلال إعادة هيكلة حديقة الشارع كفضاء ومتنفس للعائلات والأطفال وتكثيف عملية التشجير وخلق حزام أخضر بالمنطقة، والقيام بحملة واسعة الأطرف لجمع النفايات والأزيال المحيطة بالمركز، مع إحداث ملاعب القرب، وتوفير النقل المدرسي بكل الدواوير البعيدة عن المؤسسات التعليمية بالمركز لتشمل الاستفادة كل المواطنين وأبنائهم المتمدرسين بالإعدادي والثانوي، دون أن ننسى مطالب بعض الجمعيات المرتبطة بإحداث قرية للصناع والحرفين ومركز اجتماعي متعدد الاختصاصات لدوي الاحتياجات الخاصة والمرأة والطفل.. فضلا عن ضرورة إصلاح وتوسيع وترميم المسجد العتيق الكائن بالقرب من مقر القيادة، والذي يحج له عشرات المواطنين لأداء صلاة الجمعة وشعائر المناسبات الدينية السنوية، بالإضافة إلى تسريع وتيرة تعميم الإنارة العمومية بمجموعة من الدواوير التي استفادة من التغطية الكهربائية... كل هذه الملتمسات والمطالب الملحة التي أمدنا بها المواطنون ومجموعة من الفعاليات الجمعوية، تعتبر حقوقا أساسية ما فتئت أعلى سلطة في البلاد تمرر رسائلها لمن يعنيهم الأمر ـ حسب قولهم ـ في إطار الحقوق والواجبات الوطنية.
مشهد آخر من حالة السوق الأسبوعي، الصورة أوضح من الكلام
أولاد عمران تحت وطأة الممنوعات
هذا وجدير بالذكر أن ظاهرة ترويج المخدرات والمشروبات الكحولية المصنعة محليا، وملفات الجريمة بكل أنواعها الجنحية والجنائية، عرفت في الآونة الأخيرة اكتساحا خطير بالمنطقة، بل إن بعد المصادر تؤكد على أن استعمال الممنوعات بالمقاهي أضحى تحصيل حاصل أمام مرأى ومسمع من السلطات المحلية والدرك الملكي، الذي استغربنا لبنايته المتهالكة والمتصدعة، والتي لا تشرف جسم الدرك الملكي.. والأنكى من ذلك تحطيم رمز جداريته البلاستيكية المثبتة عند مدخل باب بنايته التي تدل على ترهل الوضع الأمني بمركز قيادة أولاد عمران والتسيب الحاصل هناك.