محمد اكديرة قال محمد اكديرة، أستاذ التعليم العالي وخبير في السياسات العمومية والحكامة والتدبير الرياضي، لإن استضافة المغرب لكأس العالم 2030 تمثل فرصة استراتيجية لتعزيز مكانته الاقتصادية والسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي، من خلال تطوير البنيات التحتية وجذب الاستثمارات وتعزيز السياحة. كما تسهم هذه البطولة في إبراز القوة الناعمة للمملكة وتعزيز إشعاعها الثقافي والدبلوماسي:
من المؤكد أن لاحتضان المغرب لكأس العالم مكاسب اقتصادية وسياسية، تقوي إشعاع المملكة.
فبعد إعلان مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن موافقته بالإجماع على الملف الوحيد المشترك بين كل من المغرب وإسبانيا والبرتغال لاستضافة نسخة كأس العالم 2030 لكرة القدم، كانت بذلك أول نسخة في تاريخ هذه البطولة العالمية التي ستقام في ثلاث قارات وست دول.
للتذكير، أعلنت “الفيفا” أن الثلاث مباريات الأولى ستقام في كل من الأرجنتين والأوروغواي والباراغواي.
إن استضافة كأس العالم لكرة القدم يمثل إشادة واعترافا بالمكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب بين الأمم الكبرى، وستكون له كما قلت سابقا، انعكاسات جد إيجابية على أداء الاقتصاد الوطني، من خلال تعزيز ثقة المستثمرين في المملكة، والرفع من حجم التدفقات الاستثمارية إليها، فالمغرب حقق إنجازات كبيرة على هذا المستوى، إذ قدم صورة رائعة عن التضامن ومتانة النسيج الاقتصادي الوطني، سواء من خلال تدبيره مثلا لجائحة كورونا.
الانعكاس الآخر سيكون على مستوى البنيات التحتية، ذلك أن تنظيم حدث كبير بهذا الحجم في المغرب يتطلب إعداد بنية تحتية جد متطورة من خلال استجلاب شركات كبرى داخل أو خارج البلاد، مع ما لذلك من انعكاسات على الطلب الداخلي وعلى مناصب الشغل التي من المحتمل أن يرتفع الطلب عليها بشكل كبير.
من المؤكد أيضا أن تنظيم الأحداث العالمية من شأنه أيضا أن يرفع من الجاذبية السياحية للمملكة المغربية ويعزز من موقعها الاقتصادي.
في هذا الجانب، إذا كانت القطاع السياحي يساهم حاليا بنسبة 7% في الناتج الداخلي الخام، فيُتوقع أن يساهم بعد تنظيم هذه التظاهرة الرياضية بنسبة تصل إلى 30%.
فالعائدات المهمة التي سيجنيها قطاع السياحة جد مهمة، إذ يتوقع أن يستقبل المغرب 26 مليون سائح في أفق 2030.
سيستفيد المغرب أيضا من تقوية العلاقات والشراكات الاقتصادية بين كل من الرباط ومدريد ولشبونة، ويمكن أن نتحدث، من الآن وإلى حدود سنة 2030 عن تكتل اقتصادي واقعي بين البلدان المنظمة لإنجاح هذه التظاهرة والذي سيستمر إلى ما بعد هذا العرس الرياضي الكبير، وبالتالي التأسيس لعلاقات اقتصادية متينة بين هذه الدول، والتي ستحقق مكاسب كبيرة من ورائها.
إن استضافة حدث رياضي عالمي بهذا الحجم سيكون له بكل تأكيد تأثير إيجابي كبير على موقع المملكة المغربية العالمي، حيث ستحصل الرباط مجموعة من المكاسب الأخرى التي تفوق في أهميتها المكاسب الاقتصادية، إذ سيساهم تنظيم هذه التظاهرة الرياضية في تعزيز مكانة المغرب على المستوى الدولي وزيادة تأثيره الدبلوماسي، وفي إبراز القوة الناعمة للمملكة وتحسين صورتها التي يتم رسمها عن قارة إفريقيا بشكل عام، والتي ترتبط غالبا بالصراعات والأزمات.
سيزيد تنظيم هذا الحدث الرياضي العالمي الضخم سيزيد الثقة العالمية في المغرب وفي قدرته على تنظيم المزيد من الفعاليات والتظاهرات. كما سيساعد ذلك المملكة على جذب شراكات استراتيجية جديدة وتعزيز التعاون الدولي في مختلف المجالات، إضافة إلى تعزيز الحدث الجهود الدبلوماسية للمملكة في تسوية النزاعات والأزمات السياسية في المنطقة وبالتالي المساهمة في تحقيق الاستقرار والسلام.
إن الملف المشترك، الذي يضم المغرب، لثقة الاتحاد الدولي لكرة القدم، سيمنح للمغرب فرصة فريدة للترويج لنفسه على الساحة العالمية وتعزيز دوره كلاعب رئيسي في المنطقة وعلى المستوى العالمي، وبالتالي الزيادة في إشعاعه الإقليمي والقاري والدولي، وتصحيح كل الصور النمطية عن المغرب والمغاربة، كامتداد للإشعاع الذي حصده المغرب على إثر الإنجاز التاريخي لأسود الأطلس في مونديال قطر.
هذه الفعالية هي أيضا مناسبة لتنظيم ورشات ولقاءات موازية للتعريف بالتراث الثقافي والتاريخي للمملكة وبإمكانياتها الاقتصادية ولاستقطاب المستثمرين. إذ سيستقطب المغرب فاعلين من مختلف دول العالم، لذلك ينبغي استثمار ذلك في التعريف بإنجازات المغرب على مستوى صناعة السيارات والطاقات المتجددة والصناعات التحويلية والهيدروجين الأخضر.
وكما أعددنا ملفا لاحتضان كأس العالم، علينا الاشتغال حاليا على إعداد ملف اقتصادي متكامل لعرضه أمام العالم خلال تنظيم هذه الكأس لاستقطاب الاستثمارات.
أشير إلى ما أوضحه تقرير حول للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الصادر عام 2024، حول الهزالة الكبيرة لمساهمة الرياضة في الاقتصاد الوطني. إذ لا تتجاوز هذه المساهمة في الناتج الداخلي الإجمالي 0.5% حسب التقرير، وهنا أشدد على ضرورة العمل على تقوية المنظومة الرياضية كلها من منظور مقاولاتي ليرتفع حجم مساهمتها في الناتج الداخلي الإجمالي إلى ما بين 2 و3%.الاستثمار والحصاد الحقيقيان ننتظرهما ما بعد 2030.
