Saturday 6 December 2025
منبر أنفاس

عمر المصادي: الكلمة الطيبة والقول الحسن .. أساس الأخلاق السياسية

عمر المصادي: الكلمة الطيبة والقول الحسن .. أساس الأخلاق السياسية عمر المصادي
في زمن تتسارع فيه الأحداث ويتنامى فيه تأثير الخطاب العام على الرأي العام، تبرز الكلمة الطيبة كقيمة مركزية في صياغة المشهد السياسي وبناء الثقة بين الفاعلين ومختلف فئات المجتمع، فالممارسة السياسية، رغم ما قد يرافقها من تنافس واختلاف، تظل في جوهرها فنا للتواصل، ولا نجاح فيها دون إلتزام بقول حسن يراعي القيم الأخلاقية ويحترم ذكاء المواطن وكرامته.
لقد رسخت التجارب الحديثة، كما رسّخت القيم الدينية والإنسانية قبلها، أن خطاب الكراهية والإنفعال لا يصنع سياسة، ولا ينتج حلولا، بل يعمق الإنقسامات ويزيد من هشاشة السلم الإجتماعي.
وعلى النقيض من ذلك، فإن القول المتزن المنضبط، القائم على الحجة والوضوح والإحترام، يساهم في تهدئة التوترات ويخلق مناخا يسمح بالتفاهم وتبادل الآراء بموضوعية.
ولا يخفى أن المواطن اليوم بات أكثر وعيا وتأثرا بما يقال في المنابر الإعلامية ومنصات التواصل الإجتماعي، لذلك فإن الكلمات التي تصدر عن المسؤولين والفاعلين السياسيين لم تعد مجرد مواقف ظرفية، بل أصبحت رسائل موجهة تحمل وزنا أخلاقيا وسياسيا قد ينعكس مباشرة على الرأي العام وعلى صورة المؤسسات.
وفي هذا الإطار يلعب الإعلام الجاد والمسؤول دورا محوريا في تهدئة النقاش العمومي عبر تبني لغة مسؤولة ومهنية تمنع التحريض وتواجه خطاب الكراهية، فيما تضطلع الأحزاب السياسية بدور أساسي في تكوين مناضليها على التواصل الراقي وصياغة خطابات وبرامج خالية من الإساءة والشعبوية. وبذلك يصبح ترسيخ القول الحسن مسؤولية مشتركة تساهم فيها كل الأطراف لضمان ممارسة سياسية ناضجة وحياة عامة أكثر استقرارا واحتراما.
ومع الواقع الجديد، يصبح التزام الكلمة الطيبة ضرورة مهنية وسياسية، وليس خيارا تجميليا أو خطابا مثاليا.
إن الأخلاق السياسية الحقيقية تظهر في لحظات الخلاف أكثر مما تظهر في لحظات الإتفاق. فحين يختلف السياسيون دون أن يسيئوا لبعضهم، وحين ينتقدون دون تجريح، وحين يخاطبون الجمهور بلغة راقية بعيدة عن الشعبوية، فإنهم يؤسسون لثقافة سياسية ناضجة قادرة على استيعاب التنوع والإختلاف.
وهذه ثقافة لا تبنى بالقوانين وحدها، بل تبنى أساسا عبر تربية الكلمة وضبطها.
وفي ظل الحاجة إلى ترسيخ الثقة بين المواطن والمؤسسات، يصبح من واجب الفاعل السياسي، مهما كان موقعه، أن يدرك أن خطابه جزء لا يتجزأ من مسؤوليته، فالكلمة الحادة قد تشعل أزمة، والكلمة الطيبة قد تطفئ فتنة، وبينهما تتحدد صورة السياسة وجودتها في أي بلد.
وفي الأخير يجب التأكيد على أن الكلمة الطيبة ليست مجرد خلق فردي، بل هي رهان جماعي ومقوم أساسي للأخلاق السياسية، وبقدر التزام الساحة السياسية بهذا المبدأ، يمكن أن نتوقع مناخا عاما أكثر هدوءا، وتواصلا أكثر نضجا، ومجتمعا أكثر تماسكا واستقرارا.
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..}