الاثنين 25 نوفمبر 2024
فن وثقافة

المخرج المغربي عبد السلام الكلاعي يكتب عن منع فيلم "الخروج: آلهة وملوك" بالمغرب

المخرج المغربي عبد السلام الكلاعي يكتب عن منع فيلم "الخروج: آلهة وملوك" بالمغرب

مُنِعَ فيلم "الخروج: آلهة وملوك"(Exodus: Gods and Kings) للمخرج ريدلي سكوت من العرض في مصر رسمياً من طرف لجنة الرقابة على المصنفات الفنية للسبب التالي: عدم ملاءمة الفيلم للأحداث التاريخية"، وفي المغرب حسب تصريح السيد حسن بلقاضي مالك سينما الريف بالدار البيضاء للصحافة، تمت مكالمة أصحاب القاعات التي كانت تنوي عرضه وتم إخبارها شفوياً بضرورة عدم عرض الفيلم تحت طائلة إقفال القاعة رغم أن موزع الفيلم قد حصل له على تأشيرة العرض ولا يزال يعرضه في قاعته دون أدنى مشكلة بحجة أنه لم يتوصل بأي قرار مكتوب بهذا الشأن. وتقول جريدة الفيغارو على موقعها في الأنترنيت أنه ردا على سؤال لوكالة فرانس بريس، رفض مدير المركز السينمائي المغربي التعليق على أسباب حذف الفيلم من برمجة القاعات موضحا أنه قرار "لجنة رقابة الأفلام"، التي فضلت "إبلاغ الموزع بقرارها بدلا من التواصل." وأضافت وكالة فرانس بريس "ومع ذلك، يجب أن تكون الحجج نفسها كما في مصر، حيث تم منع الفيلم من التوزيع بسبب "عدم الدقة التاريخية والدينية".

ما هي هذه الدقة التاريخية التي لم ينضبط لها الفيلم؟ على ما يبدو أولها أن المخرج ريدلي سكوت وشركاءه من كتاب السيناريو قرروا أن يقدموا موضوع شق البحر على أساس أنه ظاهرة طبيعية بدل أن يقدموه كما في الكتب الدينية أنه معجزة. الأمر الثاني متعلق بشخصية موسى نفسه الذي يصوره الفيلم على أنه زعيم سياسي كبير مقرب من السلطة ينقلب ليصبح مناضلاً من أجل الحرية. لكن الفيلم ليس بهذه الثنائية البسيطة بين الخير و الشر، لأن بطل الفيلم كريستيان بال الذي يلعب دور موسى كان قد صرح في ما قبل: "أرى موسى شخصيتةً مصابة بـ"الانفصام" و"الهمجية" وهو "مقاتل من أجل الحرية". ولكنني أفضل أن أرى فيه "رجلاً معقداً" ولا أريد أن أصنع منه بطلاً تماما لأن المناضل من أجل الحرية بالنسبة للبعض قد يكون إرهابياً بالنسبة لآخرين."

وعلاقة بالمنع في مصر والمغرب باختلاف شكليه، هناك في نظري ثلاثة أمور يجب الوقوف عليها في الموضوع: 

1- لا معنى البتة للجملة التي استعملتها اللجنة المصرية وهي "عدم ملاءمة الأحداث للوقائع التاريخية والدينية"، لأننا إذا افترضنا أن هذه القصة هي قصة تاريخية، وهي ليست كذلك البتة، لأنه لغاية الآن لم تثبت الحفريات الكثيرة التي تمت في مصر وفي فلسطين وفي كل المنطقة عن وجود شخصية تاريخية تسمى "موسى" ولا عن خروج ستمائة ألف نسمة من أرض مصر، ولا عن موت أحد الفراعنة غرقاً في البحر هو وجيشه كاملا.

2- لا معنى لضرورة ملاءمة أي فيلم كان لأي حقائق تاريخية ولا دينية ما دام الفيلم روائياً، بمعنى تخييلي يعكس تصور مؤلفيه عن الوقائع والحكايات التي يحكونها. وحتى في حالة الأفلام الوثائقية فليس هناك أبداً "ملاءمة للوقائع التاريخية"، لأن الوقائع التاريخية تقرأ من باب وجهات النظر الإديولوجية والفكرية والمعرفية والطبقية والعقائدية لكل فرد. وبالتالي فحتى الأفلام الوثائقية ما هي إلا التعبير عن رؤية مؤلفيها.

3- اللجنة المصرية للرقابة على المصنفات الفنية - رغم إعتراضي التام على قرارها - إلا أنها كانت على الأقل متحلية بالشجاعة الفكرية للتعبير عن الدوافع التي جعلتها تمنع الفيلم من العرض، ونتمنى من لجنة مراقبة الأفلام المغربية أن تتحلى بنفس نوع الشجاعة وأن تبرر كتابة وعبر بيان للرأي العام اتصالها بأرباب القاعات هاتفياً لتفرض عليهم حذف برمجة الفيلم، لأنها بهذه السابقة ستكون قد أسست لنوع جديد من التعامل مع عروض الأفلام، سيهدد في القادم من الأيام كل فيلم مغربي أو أجنبي حاصل سلفاً على "فيزا" التوزيع بمكالمة هاتفية تسحبه من القاعات دون أدنى مبرر. مما سيهدد العملية الإنتاجية السينمائية المغربية وعملية توزيع الأفلام الأجنبية بالمغرب.

في الختام، أتمنى ألا تكون هذه الواقعة بداية لوضع اليد على السينما في المغرب من طرف من يخلطون معتقداتهم الدينية بالسياسة والثقافة والفن، والذين كانو يحاولون منذ زمن ليس بالقصير تنصيب أنفسهم أوصياء على الناس وعلى ما يشاهدونه من أعمال سينمائية. وأتمنى من غرف وهيئات وحرفيي السينما المزيد من اليقظة دفاعاً عن الحرية في المجال السينمائي: حرية الإبداع و حرية المشاهدة التي هي أساس ازدهار كل صناعة سينمائية.