Monday 24 November 2025
مجتمع

العدول يصفون مصادقة الحكومة على القانون 16.22 بالخميس الأسود

العدول يصفون مصادقة الحكومة على القانون 16.22 بالخميس الأسود أعضاء الجمعية المغربية للعدول
وصفت الجمعية المغربية للعدول مشروع القانون 16.22 الذي صادق عليه المجلس الحكومي يوم الخميس 19 نونبر 2025، "بالنكبة التشريعية" ومقدمة لإفراغ المهنة من مضمونها التاريخي والمهني.
واعتبرت الجمعية أن هذا المشروع أحدث شرخاً داخل الجسم التوثيقي، وخلّف صدمة وغضباً عارمين في صفوف العدول بمختلف جهات المملكة، بعدما رأوا فيه إعلاناً صريحاً بإعدام المهنة وضرب مقوماتها التي صمدت قروناً في خدمة المجتمع والدولة.
 
وأعربت الجمعية المغربية للعدول عن رفضها للمشروع، معتبرة أن صيغته الحالية لا تحمل أي رؤية إصلاحية، بقدر ما تؤسس لقانون يقوم على التفتيش والمراقبة والعقوبات بدل التطوير والتأهيل. كما نددت الجمعية بما وصفته بالنَّفَس الإقصائي والتمييز غير الدستوري الذي طبع مواد المشروع، خاصة فيما يتعلق بإلغاء حق الإيداع الذي كان وارداً في النسخ الأولى قبل أن يتم سحبه بشكل فجائي.
هذا التراجع اعتبرته الجمعية ضرباً لمبدأ المساواة بين المهن التوثيقية، وتكريساً للميز التشريعي لفائدة مهن منافسة أعلنت صراحة رغبتها في إقصاء العدول من بعض آليات الاشتغال الأساسية.
 
وترى الجمعية أن المشروع يمثل تراجعاً خطيراً عن كل التفاهمات والحوارات التي تمت بين الوزارة والهيئة الوطنية للعدول طيلة السنوات السابقة، مما يثير تساؤلات جوهرية حول خلفيات هذا التغيير المفاجئ. فبدل أن يكون القانون الجديد فرصة تاريخية لتأهيل المهنة وتعزيز قدرتها على الاندماج في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، جاء ليقلّص من صلاحيات العدول ويهدد وجودهم المهني، في تجاهل تام لدورهم في صون الذاكرة القانونية والاجتماعية للمغرب. وقد شددت الجمعية على أن المساس بمهنة التوثيق العدلي هو مساس بجزء من الهوية الوطنية، باعتبارها مهنة ارتبطت عبر القرون بطقوس البيعة الشرعية وبتوثيق العلاقات والمعاملات التي شكلت أساس تماسك المجتمع والدولة.
 
وأكدت الجمعية أيضاً أن حساب الودائع ليس مجرد مطلب مهني، بل معيار لكيفية تعامل الدولة مع المهن بمنطق الخدمة العمومية. فالمتعاقدون والمرتفقون يجب أن يتمتعوا بنفس الضمانات والحماية، بغض النظر عن المهنة التي يختارونها للتوثيق. ومن غير المقبول أن تتوفر مهن مثل المحامين والموثقين والمفوضين القضائيين على حسابات للودائع محمية بالقانون، بينما يُستثنى العدول دون مبرر موضوعي. هذا الوضع، في نظر الجمعية، يكرس لا مساواة تشريعية تضرب جوهر العدالة المهنية.
 
كما لم تخف الجمعية استغرابها من صمت رئاسة الهيئة الوطنية ولجنة الحوار تجاه المصادقة على المشروع، معتبرة ذلك تخلياً عن مسؤولية الدفاع عن المهنة، ودعت المكتب التنفيذي إلى تحمل مسؤوليته التاريخية من خلال المطالبة بسحب المشروع وفتح جولة جديدة من الحوار تستجيب لمطالب العدول المشروعة. وفي الوقت ذاته، أعلنت الجمعية استعدادها لطرق كل الأبواب القانونية والمؤسساتية، مع تجديد التمسك بثوابت الأمة والثقة في المؤسسة الملكية لإنصاف العدول ورفع ما يرونه حيفاً واقعاً عليهم.
 
وأكد سعيد الصروخ، عضو الجمعية ورئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية طنجة، أن العدول يمثلون صمام الأمان للتوثيق المغربي المرتبط بهوية الشعب والدولة. وقد ذكّر بأن مهنة التوثيق العدلي حظيت عبر التاريخ بعناية ملوك الدولة العلوية الشريفة، وأنها كانت وما تزال حجر الزاوية في توثيق البيعة الشرعية، مما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من شخصية المغرب وهويته الحضارية. وشدد الصروخ على أن العدول يدركون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وأن حضورهم في هذا السياق يأتي من إيمان راسخ بواجباتهم قبل حقوقهم، لأن التوازن بينهما هو أساس الاستقامة المهنية.
 
ووصف الصروخ يوم المصادقة على المشروع بـ"الخميس الأسود"، الذي شكل صدمة غير مسبوقة داخل المهنة، إذ شعر العدول بأن القانون الجديد أقصاهم من مجال التوثيق العقاري ومن كل ما يتعلق بالمال والمعاملات، وهو ما عمّق الإحساس بالتمييز والإبعاد. ورغم هذا الغضب، يؤكد الصروخ أن العدول اختاروا التركيز على مطلب حساب الودائع باعتباره أولوية، لما يمثله من ضمانة للمرتفقين ومنصّة قانونية أساسية لتكافؤ الفرص بين المهن.
 
ومع إصرار العدول على رفض المشروع جملةً وتفصيلاً، دعا الصروخ إلى عدم فقدان الرؤية الوطنية الشمولية، لأن مصلحة الدولة تتطلب انخراط كل المهن في منظومة توثيق قوية ومتكاملة، بعيداً عن الإقصاء أو تعطيل أي مهنة. كما ثمّن نجاح الدورة التكوينية التي نظمت مؤخراً، والتي شكلت فرصة لتعزيز كفاءات العدول في الجوانب التقنية والرقمية المرتبطة بالتسجيل الإلكتروني والبوابات المهنية.
 
في نهاية المطاف، تتقاطع كل الأصوات داخل الجسم التوثيقي حول قناعة واحدة: أن مهنة التوثيق العدلي ليست مجرد وظيفة، بل إرث وطني يجب الدفاع عنه بكل الوسائل السلمية والقانونية، وأن العدول اليوم يقفون عند منعطف مفصلي سيحدد مستقبل هذه المهنة العريقة، بين مشروع قانون مثير للجدل، وبين إرادة جماعية صلبة للحفاظ على قيمة المهنة ومكانتها في المنظومة القانونية والاجتماعية للمغرب.