بلغ المهرجان الوطني للفيلم ربع قرن من الزمن، صار بموجبها منتظمَ الانعقاد في طنجة، وهذا ما يسمح للمهتمين والمهنيين بالمساهمة في تقويم وتطوير وترصيد ما راكمته السينما الوطنية عبره، لاسيما وأنه بدأ يتذبذب ويميل عن إذكاء روح الشغف منذ الدورة التي يمكن أن نسميها دورة "لُخْزَانَة" (الخيمة).
وهذه بعض الملاحظات السريعة التي نود الإشارة إليها حول المهرجان كي يعم الاختلاف:
وهذه بعض الملاحظات السريعة التي نود الإشارة إليها حول المهرجان كي يعم الاختلاف:
في التنظيم: بدأ تنظيم المهرجان من لدن المركز السينمائي في زمن مديره السابق "قويدر بناني" رفقة عدة مسؤولين أنذاك، منهم من قضى نحبه ومنهم من نتمنى له الصحة وطول العمر، وقد كان حينها للمهنيين ثقل كبير في التنظيم، وهذا ما لم يعد قائما اليوم: صار دور المهنيين هامشيا، تأثيثيا، ومختصرا في نصف غرفة فندق (لكل غرفة مهنية!)، وليس استشاريا وتشاركيا! مع دمج وخلط المهام والتخصصات!
في الميزانية: إلى زمن قريب كان المهرجان ينظم بما يقارب 200 مليون سنتيم، كان حينها الجميع حاضرا (باستثناء الغاضبين والمغضوب عليهم "بدعةٌ إقصائيةٌ للتخلص من الأصوات المستقلة المختلفة"!)، مع توفير كل الوجبات، وثلاث حفلات تواصلية طيلة أيام المهرجان (في الافتتاح والوسط والاختتام).. وها هو يصل، اليوم، إلى ما يناهز مليارا ونصف سنتيم، تقريبا، مع تقليص مدة الإقامة للبعض إلى النصف (نصف مدة المهرجان، ونصف الوجبات!)، وإبعاد المهرجان عن قاعات المدينة والجمهور (لا علم لغالبية الناس به!).. والتعويل على "التطوع" في تسيير النقاشات مقابل الإقامة والإعاشة (توسيع دائرة المتهافتين!) وغيرها من الأمور التي ساهمت في إضعاف النقاشات والمحادثات...
في الفني: هناك تهجين للجان، سواء على مستوى الفرز أم التحكيم، الأمر الذي يعطي نتائج غير موضوعية (معايير غير متكافئة سينمائيا!) وذلك عن طريق الإتيان بعناصر لا يعرفها الراسخون في المهنة والتتبع، وإبعاد المهتمين الفعليين، فعندما تقرأ تعاريف البعض في الكاتالوغ تجد العجب العجاب (السيرة ضد الحضور!)، بل إن بعضها يجد نفسه منبهرا حينما يلتقي بصناع السينما ومتتبعيها والباحثين في مجالاتها (يأتون "مْدَهْشْرِين" ويعودون "مدهشرين"!).
تعكس الأفلام اختيارات لجان الدعم، فيظهر لنا وسط الركام أننا أمام صفقاتٍ للدعم (أليس كافيا بأن نعثر في ظرف عقد من الزمن، و لجنتين متواليتين، على عدد محدود من الأفلام المقبولة؟!)، بل إن ما يسمى بالأفلام الوثائقية يحتاج إلى إعادة نظر جذرية (منذ عقد من دعمها لم نحصل إلا على نزر قليل يلبي منها شروط النوع!)، فهل يستطيع المدير الجديد، المشهود له بخبرته في مجال هذا النوع من الأفلام أن يضع حدا لهذا العبث!
لم يعد المهرجان يحقق فرصا عالية للنقاش والحوار والاختلاف.. وهذا ما تعكسه الأنشطة الثقافية الموازية!
لم يعد المهرجان يحقق فرصا عالية للنقاش والحوار والاختلاف.. وهذا ما تعكسه الأنشطة الثقافية الموازية!
في اللغة: أود أن أشير إلى أن المهرجان يستمر في تكريس الهيمنة الفرنكفونية بطرق متعددة، أولها ارتباط الكثير من الأفلام الروائية القصيرة والطويلة بميكانيزماتِ دعمٍ فرنسية، ثانيها حضور الفرنسيين (وأبواقهم) الجلي في المهرجان الوطني، ثالثها حضور اللغة الفرنسية القوي ضدا على اللغات الدستورية للمملكة في المنشورات، رابعها استمرار الرؤية الدونية للثقافة والإنسان المغربي في بعض الأفلام المرتبطة بفرنسا إما جزئيا أو كليا...
ملحوظة 1: يبدو أن أفلام (صفقات) الدعم، التي حَوَّلت المهرجان منذ عدة دورات إلى ما يشبه الحفل التنكري، مصابة في غالبيتها بفقر الإنتاج (يبدو أن الشطر الأول يتبدد في الإعداد، ويصور ما يسمى "الفيلم" بالجزء الثاني والثالث أما الشطر الرابع فيأخذ مسارب أخرى!)، وهذه مسألة يشهد عليها التقويم الإنتاجي لما نراه على الشاشة (بقدر ما هي كاشفة للفن، فهي مُبَيِّنَةٌ لحجم الاستثمار فيه!).
ملحوظة 2: لم يعد المهرجان جاذبا، فقد صارت عناصر التنفير منه كثيرة، والدليل الحضور الباهت للفنانين والمهنيين والمهتمين وعدم اهتمام الساكنة به (كان سكان طنجة يتهافتون على الممثلين، ويتابعون العروض!).
لا أحد يفر من أجواء العرس!
ملحوظة 3: قد تُغْضِبُ هذه التدوينة الكثيرين، ولكنني أود أن أهمس في أذن بعضهم بما يلي: الحقيقة مرة، ولا يتقبلها إلا ذوي النفوس الصافية الحرة.