Tuesday 28 October 2025
Advertisement
سياسة

يخلف: المسؤولية الجنائية في مشروع القانون التنظيمي رقم 11.22.. نحو تحصين الشفافية الانتخابية (1)

يخلف: المسؤولية الجنائية في مشروع القانون التنظيمي رقم 11.22.. نحو تحصين الشفافية الانتخابية (1) الأستاذ مصطفى يخلف، المحامي بهيئة أكادير
لم تعد الانتخابات مجرّد موعد سياسي يتكرر كل بضع سنوات، بل غدت مختبرا لقياس ثقة المواطنين في مؤسساتهم، ومؤشرا على نضج الدولة في تدبير الاختلاف السياسي وفق قواعد الشفافية والمحاسبة.
وفي هذا السياق، جاء مشروع القانون التنظيمي رقم 11.22 ليعيد صياغة المشهد الانتخابي المغربي في ضوء التحولات الدستورية والتكنولوجية والاجتماعية، محاول التوفيق بين متطلبات النزاهة وحتميات العصر الرقمي، وبين تشبيب النخب وإرساء ثقافة المسؤولية القانونية.
لذلك، ستكون هذه السلسلة التي يعدها الأستاذ مصطفى يخلف، المحامي بهيئة أكادير، محاولة لقراءة هذا النص في ضوء فلسفته الإصلاحية، واستجلاء مكامن قوته ومواطن نقاشه، عبر حلقات متتابعة تلامس الجوانب السياسية والحقوقية والأخلاقية والتنظيمية التي تضمنها المشروع.
 

 

أهم التحولات التي جاء بها مشروع القانون التنظيمي رقم 11.22، والمتعلقة بتأصيل المسؤولية الجنائية الانتخابية في المنظومة التشريعية المغربية، تتمثل في أن المشروع المتعلق بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 بشأن انتخاب أعضاء مجلس النواب، يُعد نقلة نوعية في مأسسة الشفافية الانتخابية، من خلال سن قواعد دقيقة للمسؤولية الجنائية وضبط السلوك الانتخابي، بما يكرّس مبادئ النزاهة والمساواة أمام القانون.

فقد ركّز المشروع على تجريم الأفعال التي تُخلّ جوهريًا بمبدأ حرية الاختيار والشفافية، فأدرج ضمن الجرائم الانتخابية ما يلي:
- شراء الأصوات أو التأثير على الناخبين بالمال أو الهدايا، ويُعد ذلك مسًّا مباشرًا بحرية الاقتراع وبالمبدأ الدستوري القاضي بأن التصويت حق شخصي حرّ لا يجوز التلاعب به.
- استعمال الذكاء الاصطناعي أو المنصات الرقمية للتضليل أو نشر الأخبار الزائفة، وهي سابقة تشريعية تُدخل لأول مرة التقنيات الحديثة في نطاق التجريم الانتخابي، استجابة لتطور وسائل الدعاية الرقمية وأثرها في توجيه الرأي العام.
- المساس بحرية التصويت أو تهديد الناخبين بالعنف أو التخويف، مما يعكس إرادة المشرّع في حماية سلامة العملية الانتخابية من كل ضغوط مادية أو معنوية.
كما جاء المشروع بعقوبات متدرجة تراعي جسامة الفعل وخطورته على النظام الانتخابي، تُؤسّس لما يمكن تسميته بالعدالة الانتخابية الزجرية، التي تجعل النزاهة ليست شعارًا سياسيًا بل التزامًا قانونيًا، ويمكن بسطها كما يلي:
- الحبس من 3 أشهر إلى 20 سنة حسب نوع الجريمة.غرامات مالية قد تصل إلى 100.000 درهم.
- الحرمان من الحقوق الوطنية لمدة 5 سنوات بعد قضاء العقوبة، وهو إجراء سياسي وأخلاقي يهدف إلى تطهير المشهد الانتخابي من كل من ثبت في حقه سلوك غير نزيه.
وقد رتّب المشروع آثارًا قانونية مباشرة على الأشخاص الصادرة في حقهم العقوبات أو الموانع، منها:
- فقدان حق الترشح أو التجريد من العضوية لكل من صدر في حقه حكم نهائي في جناية أو جنحة تمس بالشرف أو الأمانة أو النزاهة.
- التجريد من الحقوق الوطنية أو المدنية يؤدي تلقائيًا إلى إسقاط الأهلية الانتخابية.
- التعليق المؤقت للحق في الترشح بالنسبة للأشخاص المتابعين في حالة تلبس بجناية أو جنحة، إلى حين صدور حكم نهائي.
وتضمّن المشروع كذلك موانع وظيفية دون عقوبة أو حتى دون وجود حكم قضائي أو متابعة، إذ فرض موانع أخلاقية ووظيفية تمنع الترشح أثناء تولي المسؤولية، بغرض ضمان الحياد التام لممثلي الدولة ومؤسساتها، والحفاظ على تكافؤ الفرص بين المرشحين، وتشمل:
القضاة؛ أفراد القوات المسلحة الملكية؛أعوان السلطة وموظفي الجماعات الترابية أثناء مزاولة مهامهم.
إن المقتضيات الزجرية الجديدة بمشروع القانون التنظيمي رقم 11.22 لا تمثل فقط تشديدًا للعقوبة، بل تعبّر عن تحوّل في فلسفة التشريع الانتخابي، من مجرد تنظيم للمساطر إلى تأطير أخلاقي وقانوني للممارسة السياسية، بما يساعد على بناء الديمقراطية وحمايتها من التلاعب، وصيانة الثقة الشعبية عبر ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
 

يتبع