Friday 10 October 2025
رياضة

الرياضة أم الخدمات الاجتماعية.. أيهما أولى وكيف تعاملت الدول مع السؤال الحارق؟

الرياضة أم الخدمات الاجتماعية.. أيهما أولى وكيف تعاملت الدول مع السؤال الحارق؟ احتجاجات الشباب بالمغرب تطالب بإعطاء الأولوية للصحة والتعليم والتشغيل بدل التحضير لكأس إفريقيا وكأس العالم
منذ‭ ‬27‭ ‬شتنبر‭ ‬2025،‭ ‬شهدت‭ ‬عدة‭ ‬مدن‭ ‬مغربية‭ ‬خروج‭ ‬آلاف‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬تظاهرات‭ ‬حاشدة،‭ ‬مطالبين‭ ‬بإعادة‭ ‬توجيه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬نحو‭ ‬قطاعي‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬التحضيرات‭ ‬الخاصة‭ ‬باستضافة‭ ‬كأس‭ ‬الأمم‭ ‬الأفريقية‭ ‬2025‭ ‬وكأس‭ ‬العالم‭ ‬2030،‭ ‬رافعين‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والتشغيل‭ ‬أولا‮»‬‭.‬
تعكس‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬موجة‭ ‬استياء‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العالمية،‭ ‬إذ‭ ‬سبقتها‭ ‬احتجاجات‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬والبرازيل‭ ‬سنة‭ ‬2014،‭ ‬وفي‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬عبر‭ ‬مواطنوها‭ ‬عن‭ ‬رفضهم‭ ‬للنفقات‭ ‬الضخمة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتنظيم‭ ‬التظاهرات‭ ‬الرياضية،‭ ‬مطالبين‭ ‬بإعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للخدمات‭ ‬العمومية‭ ‬الأساسية‭.‬

‭"‬أنفاس بريس‭" ‬ تستعرض‭ ‬غضب‭ ‬الشارع‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬كانت‭ ‬تضع‭ ‬آخر‭ ‬اللمسات‭ ‬لاستضافة‭ ‬دورات‭ ‬رياضية‭ ‬قارية‭ ‬وعالمية.

‮ ‬
حول‭ ‬جيل‭ ‬"زد"‭ ‬مطالبه‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬إلى‭ ‬هتافات‭ ‬في‭ ‬الساحات‭ ‬والطرقات،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مطالبه‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬تدوينات‭ ‬أو‭ ‬"ترولات"‭ ‬في‭ ‬الأنترنيت،‭ ‬بل‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬أصوات‭ ‬تعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬الأولويات،‭ ‬واضعة‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والتشغيل‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬اهتمامات‭ ‬الحكومة‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬المطالبة‭ ‬بتعزيز‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المشاريع‭ ‬الرياضية‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬فقط،‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬أشكالا‭ ‬احتجاجية‭ ‬مشابهة‭ ‬قبل‭ ‬تنظيم‭ ‬بطولات‭ ‬عالمية‭ ‬كبرى‭.‬
‮ ‬
البرازيل‭ ..‬احتجاج‭ ‬شعبي‭ ‬قبل‭ ‬مونديال ‭ ‬2014

‬قبل‭ ‬انطلاق‭ ‬نهائيات‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬2014،‭ ‬عرفت‭ ‬عدة‭ ‬مدن‭ ‬برازيلية‭ ‬حراكا‭ ‬شعبيا‮ ‬‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬خرج‭ ‬خلاله‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع،‭ ‬ليس‭ ‬للاحتفال‭ ‬بالمونديال‭ ‬المرتقب،‭ ‬بل‭ ‬للاعتراض‭ ‬على‭ ‬تكلفته‭ ‬الباهظة،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬تسديد‭ ‬فاتورة‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬ترشيد‭ ‬النفقات‭.‬

انطلقت‭ ‬شرارة‭ ‬الغضب‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ساو‭ ‬باولو‭ ‬عقب‭ ‬قرار‭ ‬السلطات‭ ‬البرازيلية‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬تذاكر‭ ‬النقل‭ ‬العمومي،‭ ‬لكنها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مظاهرات‭ ‬وطنية‭ ‬تطالب‭ ‬بتحسين‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬ورفض‭ ‬الإنفاق‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للمونديال،‭ ‬وسط‭ ‬تدهور‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭.‬

وأجمع‭ ‬المتظاهرون‭ ‬بالبرازيل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أموال‭ ‬الدولة‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬تمويل‭ ‬المدارس‭ ‬والسكن‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬والنقل‭ ‬ومشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والحضرية‭ ‬الأخرى،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الملاعب‭ ‬والأحداث‭ ‬الرياضية‭ ‬المكلفة‭ ‬والتي‭ ‬قدرت‭ ‬أنداك‭ ‬بحوالي‭ ‬11‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬
‮ ‬
جنوب‭ ‬افريقيا‭..‬ موجة‭ ‬احتجاج‮ ‬‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬تسبق‭ ‬المونديال
قبل‭ ‬انطلاق‭ ‬أول‭ ‬نسخة‭ ‬لكأس‭ ‬العالم‭ ‬تقام‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية‭ ‬سنة‭ ‬2010،‭ ‬شهدت‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬موجة‭ ‬احتجاجات‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق،‭ ‬عبر‭ ‬خلالها‭ ‬آلاف‭ ‬المواطنين‭ ‬عن‭ ‬غضبهم‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬الحكومي‭ ‬الضخم‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬المونديال،‭ ‬بينما‭ ‬يعيش‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬صعبة‭.‬

أنفقت‭ ‬الحكومة‭ ‬الجنوب‭ ‬إفريقية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3.5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬وتجديد‭ ‬الملاعب،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تطوير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬مثل‭ ‬الطرق‭ ‬والمطارات‭ ‬والمواصلات‭ ‬العامة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬أثارت‭ ‬جدلا‭ ‬واسعا‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬ملايين‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭.‬

واندلعت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬بسبب‭ ‬عمليات‭ ‬الترحيل‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬سكان‭ ‬أحياء‭ ‬تقع‭ ‬قرب‭ ‬الملاعب‭ ‬أو‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬تطويرها‭ ‬بمدن‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬نقلهم‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬هامشية‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬المرافق‭ ‬الأساسية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬احتجاجات‭ ‬عمال‭ ‬بناء‭ ‬الملاعب‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬الاستجابة‭ ‬لمطالبها‭ ‬بزيادة‭ ‬الأجور‭.‬

إلياس قعدود، وكيل كرة قدم مرخص من الفيفا
نعم للاستثمار فـي المنشآت الرياضية لكن الأولوية للاستثمار في البشر ‬تعليقه‭ ‬على‭ ‬المطالب‭ ‬بإعادة‭ ‬توجيه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬نحو‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والتشغيل،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬الملاعب‭ ‬وعلى‭ ‬التحضيرات‭ ‬الخاصة‭ ‬باستضافة‭ ‬كأس‭ ‬الأمم‭ ‬الأفريقية‭ ‬2025‭ ‬وكأس‭ ‬العالم‭ ‬2030،‭ ‬أشار‭ ‬إلياس‭ ‬قعدود،‭ ‬وكيل‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬مرخص‭ ‬من‭ ‬الفيفا،‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬وضع‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬فيه،‭ ‬وهي‭ ‬احتجاجات‭ ‬جيل‭ ‬"زد"‭ ‬وهو‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي،‭ ‬وأفكاره‭ ‬تنشأ‭ ‬بسرعة‭ ‬وتنتشر‭ ‬بسرعة‭ ‬أكبر‭. ‬وهو‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬يرى،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‮ ‬‭ ‬أغلب‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع،‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬تنزيل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬و‭ ‬الأوراش‭ ‬التي‭ ‬وعدت‭ ‬بها،‭ ‬عكس‭ ‬القطاع‭ ‬الرياضي‭.‬

وقال‭ ‬إلياس: "لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬أهمية‭ ‬جعل‭ ‬القطاعات‭ ‬المهمة‭ ‬كالصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والتشغيل،‭ ‬أولوية،‭ ‬تشمل‭ ‬جميع‭ ‬الأجيال‭ ‬والفئات،‭ ‬لأنها‭ ‬هي‭ ‬الكفيلة‭ ‬ببناء‭ ‬مجتمع‭ ‬سليم‭ ‬وبكرامة،‭ ‬مجتمع‭ ‬يتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬والمحلي‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتقص‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الرياضي‭ ‬وكذا‭ ‬التظاهرات‭ ‬الرياضية‭ ‬الكبرى،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تجلب‭ ‬استثمارات‭ ‬للمغرب‭ ‬وتعزز‭ ‬قاطرة‭ ‬التنمية‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وكذلك‭ ‬تنمية‭ ‬السوق‭ ‬السياحية‭ ‬بالمغرب‭. ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬تسير‭ ‬به‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الرياضي،‭ ‬وخاصة‭ ‬مجال‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬مثالا‭ ‬يحتذى‭ ‬به‭ ‬لأنه‭ ‬يقدم‭ ‬نموذجا‭ ‬للكفاءة‭ ‬المغربية‭ ‬ولما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدمه‭. ‬فقط‭ ‬يلزمنا‭ ‬الاستثمار‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬العنصر‭ ‬البشري،‭ ‬أكثر‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬المنشآت‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬المطلوب‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬المفاضلة‭ ‬بين‭ ‬الملاعب‭ ‬والمستشفيات‭ ‬أو‭ ‬المدارس،‭ ‬بل‭ ‬تحقيق‭ ‬توازن‭ ‬حكيم‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الرياضة‭ ‬أداة‭ ‬لدعم‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬بديل‭ ‬عنها‭.‬

وشدد‭ ‬محدثنا‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الثالوث‭ ‬الحيوي:‭ ‬وهي‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والتشغيل،‭ ‬والقطاع‭ ‬الرياضي‭ ‬أيضا،‭ ‬مشيرا‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬إلى‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬تكتسيها‭ ‬هذه‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصل‭ ‬بعضها‭ ‬عن‭ ‬بعض‭.‬