Friday 3 October 2025
فن وثقافة

تقاطع السرد والذاكرة يضيء مسار جيش التحرير في ندوة علمية بوادي زم

تقاطع السرد والذاكرة يضيء مسار جيش التحرير في ندوة علمية بوادي زم الندوة، أقيمت بمناسبة الاحتفال بالذكرى 70 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالأقاليم الشمالية للمملكة المغربية
نظم فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بوادي زم، بشراكة مع مركب التكوين المهني وادي زم–أبي الجعد، الجمعة 3 أكتوبر 2025، ندوة علمية في موضوع: "جيش التحرير بالشمال: تقاطعات السرد والذاكرة والبحث التاريخي".
 الندوة، أقيمت بمناسبة الاحتفال بالذكرى 70 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالأقاليم الشمالية للمملكة المغربية، استُهِلّت بكلمة افتتاحية، ألقاها الأستاذ محمد مكظوم، المكلف بالمكتب المحلي بوادي زم، باسم المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وأبرزت قيمة هذه الندوة العلمية.
 وتضمنت كلمة الأستاذ مكظوم، الذي أشرف على تسيير الجلسة، شكراً لإدارة مركب التكوين المهني وادي زم–أبي الجعد، والطلبة الذين حضروا بكثافة، فضلا عن الفعاليات الثقافية والإعلامية الحاضرة.
وأشاد ممثل مركب التكوين المهني، بهذه الندوة القيمة، وبمجهودات إدارة الفضاء والقائمين عليه، فضلا عن مدير المركب عبد العزيز العاجي، مبرزاً أن المركب أطلق مؤخراً بمدينة وحدة برنامج "الإبداع المقاولاتي"، وهو برنامج يساهم بشكل كبير في إبراز مهارات وإبداعات الطلبة لمواجهة تحديات سوق الشغل.
مداخلة الأستاذة كوثر السملالي، الإطار بالمكتب المحلي وباحثة بسلك الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك – الدار البيضاء، تمحورت حول موضع “جيش التحرير بالشمال وأبرز معاركه في منطقة مثلث الموت". حيث سلطت الضوء على أبرز المعارك التي خاضها جيش التحرير، في سبيل الدفاع عن الوطن والتخلص من ربقة الاستعمار الغاشم، وعلى تاريخ تأسيس جيش التحرير ومعاقله الأساسية، خاصة في إيموزار مرموشة ومنطقة سيدي ويسلي وتجربة أكزناية، إلى جانب إضاءات حول طرق التدريب والتمويل وغيرها.
 واستحضرت في مداخلتها تجربة حرب العصابات النموذجية عالميا، بقيادة عبد الكريم الخطابي، التي اعتُبرت محطة فارقة في تاريخ المقاومة بالشمال، ومهدت لعودة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله تراه من المنفى، معتبرة هذه الأحداث منارات تاريخية تجسد روح الوطنية الحقة، من أجل الكرامة والحرية، تترسخ في وجدان الأجيال الصاعدة.
وتركزت مداخلة الأستاذ عز الدين جبار، أستاذ اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي والباحث بسلك الدكتوراه بالكلية ذاتها، حول “سردية الخبز الأسود: استعادة لصوت الهامش". ملامسا جانبا من رواية عمر الصديقي، النائب الإقليمي بفاس، والمرتبطة بهذه الرواية التاريخية ، واعتبرها متحفاً سردياً تاريخياً يجمع بين البعد الواقعي والتخيلي، بشكل يجعلها أقرب إلى كتابة التاريخ بروح إنسانية.
كما أوضح أن الخبز الأسود يحمل بين طياته ظلالاً وعلامات متعددة، تلتقي مع كتاب تاريخ الاستشراق لكاتب فلسطيني كبير، مضيفا أن هذه الرواية الكولونيالية تحمل الكثير من الإسقاطات على قضايا الأرض والأم والهوية، وتكشف الذهنية الغربية في نظرتها للشرق، مما يمنحها بعداً جمالياً وسردياً متعدد الزوايا والرؤى والتأويلات.
أما الأستاذ هشام الغنوشي، أستاذ اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي وباحث بسلك الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – بني ملال، فتناول في مداخلته: “سيميائية الألوان في رواية الخبز الأسود”، حيث قارب الرواية من منظور سيميائي وسيميولوجي، محللاً إياها من زاوية صوتية ولغوية ودلالية وتركيبية. كما وقف عند ألوان لوحة الغلاف الغنية بالرموز والعلامات السيميولوجية، وحللها في تقاطع مع رواية الخبز الحافي لمحمد شكري، معتبراً أن الصديقي وشكري صوتان من الريف، التقيا في فضاء الكتابة للكشف عن أوجاع ومعاناة الإنسان. كما أبرز أن هذا التفكيك للعلامات السردية منح الرواية أبعاداً أدبية وجمالية رفيعة.
في نهاية الندة فتح نقاش مع الحضور، ابرز أهمية صفحات مشرقة من مسار الكفاح الوطني ضد الاستعمار، والذي ارتبط ظهوره بسياقات تاريخية دقيقة، وتحول إلى فاعل مؤثر في صناعة الأحداث وفي تشكيل الوعي الوطني.
كما لامس النقاش أهمية رواية الخبز الأسود، من خلال استنطاق السرد الأدبي الذي استعاد التجربة في شكل روائي، من اجل مساءلة طرائق تمثيل الماضي، والوقوف عند آليات توظيفه في صياغة الهوية الوطنية، وفهم كيف يتفاعل التاريخ مع الذاكرة والأدب في بناء صورة عن الذات وعن الآخر.
نقاش الندوة حول جيش التحرير بالشمال، من خلال ربط الأرشيف بالذاكرة، والوقائع بالمتخيل، والتاريخ بالخطاب الأدبي، كان مفيدا للغاية، وهو ما ساهم في بلورة قراءات جديدة تنصف التجربة وتضيء جوانبها المركبة، وإعادة كتابة التاريخ وتوظيف الذاكرة والأدب، إلى جانب المساهمة في ترسيخ قيم المقاومة والوطنية لدى الأجيال الجديدة.