بقلم الدكتور أنور الشرقاوي وبمساهمة البروفيسور عبد الله المغراوي، رئيس الجمعية المغربية لأمراض الروماتيزم
364 مليون يوم عمل تضيع سنوياً عبر العالم بسبب الأمراض الروماتيزمية… قنبلة موقوتة داخل الشركات والإدارات.
أمراض صامتة… لكنها تُعطّل دواليب الإنتاج
آلام الظهر، التهاب المفاصل، الروماتويد و السِبونديلوأرثريت… هذه الأمراض لا تُحدث ضجة كبيرة، ولا تثير “حالات طوارئ” صحية مثيرة.
لكنها تُفرغ المصانع، وتُربك سير الفرق، وتُثقل ميزانيات المقاولات وتعطل عمل الادارات العمومية
الأرقام الدولية صادمة: 364 مليون يوم عمل مفقود كل سنة بسبب الأمراض العضلية-الهيكلية.
المريض المصاب بمرض روماتيزمي التهابي يأخذ إجازات مرضية بمعدل يفوق بـ 2,5 مرة زملاءه الأصحاء.
والأسوأ من ذلك: من يواصل العمل وهو يتألم (“الحضور المَرَضي”) يكلف الاقتصاد أكثر من الغياب نفسه!
في حالة التهاب المفاصل الروماتويد، يمثل ذلك 70% من مجموع الخسارة الإنتاجية.
خسارة اجتماعية وسياسية ضخمة
ليست مجرد أرقام طبية باردة، بل مليارات تُفقد من الناتج الداخلي الخام، ساعات إنتاج تتبخر، مصالح إدارية تتباطأ، مواطنون يفقدون الثقة في مؤسساتهم.
في الدول الناشئة مثل المغرب، الأثر يتضاعف:
اقتصاد يعتمد بقوة على العمل اليدوي: الحِرَف، الفلاحة، الصيد البحري، البناء، الصناعة الخفيفة.
تغطية اجتماعية محدودة: يوم توقف عن العمل يعني يوم بلا دخل في القطاع غير المهيكل.
مهن يكون فيها العجز الجسدي بمثابة تذكرة خروج من سوق الشغل.
رهان سياسي من الدرجة الأولى
الأمر لم يعد مجرد تخفيف آلام المرضى، بل حماية التنافسية الوطنية و اللحمة الاجتماعية.
كل يوم عمل مفقود يضعف سلاسل الإنتاج، يهدد الطلبيات، ويزعزع التوازن الاقتصادي للبلاد.
إهمال التشخيص المبكر والعلاج الفعّال للأمراض الروماتيزمية يعني:
قبول بانخفاض الإنتاجية الوطنية.
رفع كلفة الإنفاق العمومي (استشفاء، تعويضات عجز).
توسيع الهوة الاجتماعية عبر التضحية بالعمال والحرفيين والفلاحين.
الحلول واضحة… لكنها تحتاج قراراً
الوقاية والتشخيص المبكر، علاجات متاحة، دعم العلاج الفيزيائي.
معايير إلزامية للجلوس والعمل داخل الشركات والإدارات.
برامج وطنية للوقاية تستهدف المهن الشاقة.
مشتريات جماعية للأدوية والمعدات لتقليل الكلفة.
ساعة القرار السياسي
ومع اقتراب الانتخابات التشريعية والجهوية لسنة 2026، حان الوقت ألا يحتكر السكري والسرطانات والأمراض القلبية وحدها الأجندة الصحية.
الأمراض الروماتيزمية يجب أن تصبح أولوية وطنية كذلك.
الأمراض الروماتيزمية يجب أن تصبح أولوية وطنية كذلك.
ويبقى السؤال الحاسم لكل حكومة:
هل يمكن أن نستمر في خسارة ملايين الساعات من العمل سنوياً، ونترك عمّالنا ينكسرون بصمت؟
الجواب المنطقي: لا.
الاستثمار في الصحة العضلية-الهيكلية ليس نفقات إضافية، بل هو سياسة صناعية واجتماعية واقتصادية ذكية، تضمن الإنتاجية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية.