الجمعة 20 سبتمبر 2024
سياسة

التطرف الإسلامي ثمرة خيبات أمل سياسية وعقائدية واجتماعية بين العرب وفي الغرب

التطرف الإسلامي ثمرة خيبات أمل سياسية وعقائدية واجتماعية بين العرب وفي الغرب

يؤشر التطرف الإسلامي المتنامي والانجذاب الغريب إلى قضية الجهاديين من شريحة من الغربيين، إلى الدور المركزي الذي تلعبه الديانات في الجغرافيا السياسية العالمية.

ويجمع المحللون والمتتبعون على أن ثمار "الربيع العربي" الذي بدا واعدا بعد عقود من سيطرة الأنظمة التسلطية على دول عديدة في الشرق الأوسط، لا تزال ضعيفة جدا، ما أصاب بالإحباط شرائح واسعة من شعوبها. لا بل شهد العام 2014 تطورات غير متوقعة، على رأسها إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف إقامة "دولة الخلافة" انطلاقا من سوريا والعراق، والتهديد بمدها إلى مناطق أخرى.

تضاف إلى ذلك خيبات أمل كبيرة ومزمنة، لعل أبرزها المسألة الفلسطينية التي لم تجد حلا لها منذ العام 1948، لا بل شهدت "نكبات" عدة على مر الأعوام، والنمو الاقتصادي البطيء جدا في المنطقة والفساد المستشري الذي يزيده سوءا، وسقوط أحلام القومية العربية... وساهمت كل هذه العوامل في بروز مشروع إسلامي يطرح نفسه على أنه الحل.

ويقول رافائيل لوفيفر، من مركز "كارنيغي" للأبحاث في الشرق الأوسط، الذي يتخذ من بيروت مقرا لوكالة "فرانس برس"، "نقطة التحول الحقيقية حصلت لدى اجتياح العراق في 2003. لقد أخرج هذا الاجتياح إلى العلن مجددا الصراع الطائفي (بين سنة وشيعة)، وأفسح المجال لتكون إيران لاعبا أساسيا في العالم العربي، وأثار شعورا بالضعف لدى السنة".

وأضاف "لا يمكن النظر إلى الصعود السريع لجبهة النصرة والدولة الإسلامية والمجموعات السنية المتطرفة الأخرى إلا في ضوء هذه الهشاشة السنية"، مشيرا إلى أنه مقابل هذه الهشاشة، هناك الثقل العسكري لحزب الله في لبنان وسوريا، و"قمع ثورة" أفرادها بمعظمهم من السنة على أيدي نظام يسيطر عليه علويون، والأداء التمييزي على مستوى واسع ضد السنة في العراق من الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة.

في الوقت ذاته، لقي الصعود السريع للإسلام المتطرف أرضية ملائمة، أوجدها فشل القومية العربية التي سعت إلى تخطي الأديان، لكنها تجسدت في أنظمة دكتاتورية. تضاف إلى ذلك سلسلة حروب فاشلة خاضها العرب ضد إسرائيل، ووضع اقتصادي مزر تعاني منه الشعوب.

Daich

وتقول أستاذة علوم الأديان في جامعة القديس يوسف في بيروت نايلة طبارة "تسبب التوقيع على اتفاقات أوسلو (اتفاقات السلام الفلسطينية الإسرائيلية) بصدمة، إذ لم يعد القتال من أجل القضية الفلسطينية مبررا. لم تعد هناك قضية، فبات الإسلام المتطرف أمرا جذابا".

ومن النتائج الكارثية للتطرف الإسلامي، تأثيره على الأقليات، لاسيما على وجود المسيحيين المتجذرين في الشرق منذ أكثر من ألفي سنة. ومرة أخرى هذه السنة، حصل نزوح جماعي مع سقوط مدينة الموصل العراقية التي كان يعيش فيها آلاف المسيحيين. وتضيف طبارة "الخوف يجتاح المسيحيين في لبنان وفي الدول المجاورة، ويدفعهم إلى الهرب".

ويقول الخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش، إن 700 إلى 800 ألف مسيحي فروا من مصر وسوريا والعراق منذ العام 2011.

في هذا الوقت، تنامى التطرف الديني أيضا في إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

أما المؤرخ الإسرائيلي زيف سترنهيل فيقول "هناك من دون شك تطرف وتشدد في المواقف"، معتبرا أن "الدين بات في خدمة قومية متشددة وأخرى مستعمرة. وبات الدين والقومية يتماهيان".

وترى نايلة طبارة، المسؤولة في مؤسسة "أديان" التي تنشط في مجال التقارب والحوار بين الديانات، أن "الإسلام السياسي صادر القضية الفلسطينية عبر التركيز على الشعور بالظلم" الذي انتشر في الدول العربية والذي تسببت به "ليست إسرائيل فحسب، إنما المجتمع الدولي أيضا".

غير أن أكثر ما يثير المخاوف في الغرب اليوم، يكمن في قوة التأثير والجاذبية التي يمارسها هذا الإسلام المتطرف على مواطنين غربيين يعيشون في ظل أنظمة ديمقراطية وينعمون بالحقوق.

وأشارت دراسة نشرت أخيرا، إلى أن حوالى 15 ألف مقاتل أجنبي انضموا إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، عشرون في المائة منهم غربيون.

ويقول الاختصاصي في علم النفس والأنتروبولوجيا سكوت إتران لوكالة "فرانس برس": "هؤلاء الشبان يجدون في التنظيم ما تفتقر إليه مجتمعاتنا، الحماس المرتبط بالنضال من أجل قضية، ما يجعلهم يعتقدون أن سلطتهم لا حدود لها، وأنهم يملكون سلطة إلهية".

ويضيف الأستاذ في جامعة ميشيغن الأميركية "إنها مغامرة، والشعور بالقدرة على تغيير العالم أمر جذاب جدا".

أما طبارة فتضيف "لا بد من إعطاء معنى للحياة. الناس يحتاجون إلى مفهوم مقدس. هذا الأمر لم يعد موجودا في الغرب، فيذهبون للبحث عنه حيث يظنون أنه موجود. هناك أيضا بحث عن عيش أخوي ضمن مجموعة. هذا ما يدفع الشبان إلى الانضمام إلى هذه الحركات".