السبت 20 إبريل 2024
سياسة

عبد الكبير طبيح: رئيس الحكومة يؤلب المواطنين على المحامين

عبد الكبير طبيح: رئيس الحكومة يؤلب المواطنين على المحامين

مرة أخرى، يلجأ رئيس الحكومة إلى دغدغة عواطف المواطنين ليقدم نفسه مدافعا عن المتقاضي في مواجهة المحامي الذي يريد أن ينقض على هذا الأخير، وذلك بطريقة تثير الشفقة.

لقد اختار رئيس الحكومة، هذه المرة، البرلمان، في وقت تنقل فيه الجلسات إلى الرأي العام، ليوجه هجومه ضد المحامين ويقدمهم للمواطن كأنهم أعداء لهذا الأخير، وكأنه منقذهم من هؤلاء المحامين.

إن ما صرح به رئيس الحكومة، أخيرا، ليؤكد، لمن مازال يشكك في إرادة الحكومة في التقليص من مجال عمل المحامي، أن الأخيرة عازمة على الحد من اختصاصات عمل المحاميات والمحامين، وعازمة على تحطيم مبدأ التخصص في تمثيل المتقاضين أمام القضاء، وعازمة على السماح لغير المحامين بتمثيل المتقاضين أمام المحاكم.

عندما كتبت مقالا حول ما يحمله مشروع قانون المسطرة المدنية من تضييق على مجال عمل المحامي، رد علي وزير العدل بمقال عجز فيه عن نفي وإرادة التقليص من مجال عمل المحامي، بل حمل تأكيدا على وجود فعلي لتلك الإرادة في التقليص من اختصاصات عمل المحامين.

واليوم، اختار رئيس الحكومة أن يتوجه مباشرة إلى مهنة المحاماة، وبأسلوب يثير الشفقة، قدم فيه للرأي العام المحاميات والمحامين وكأنهم أعداء للمواطن، يريدون فرض أنفسهم عليهم.

هي إذن النظرة القصيرة لرئيس الحكومة، في زمن العدل والحريات، لمهنة اعترف لها بقيمتها المجتمعية من أعلى سلطة في بلدنا.

عفوا رئيس الحكومة، إن المواطن ليس محتاجا لأن تعفيه من الخدمة والمساعدة التي يقدمها له المحامي، وإنما محتاج إلى أن تعفيه من الصوائر القضائية التي تثقل كاهله، عندما يريد أن يطالب بحقه أو يطال برفع الظلم عنه.

عفوا رئيس الحكومة، يجب أن يكون لكم مستشارون قانونيون يرشدونكم قبل الخوض في القضايا التي ليس لكم بها إلمام أمام البرلمان وأمام الرأي العام. لتعلموا أن القانون المغربي يعطي الحق لمن تعوزه الإمكانيات لأداء أتعاب المحامي أن يستفيد من مساعدة محام بالمجان يعينه له نقيب هيأة المحامين.

عفوا رئيس الحكومة، فبدل الهجوم على المحامين بهذه الطريقة غير المقبولة، كان عليكم أن تنفذوا ما ينص عليه القانون من إلزامية تعويض الحكومة للمحامين على تحملهم الدفاع على عدد كبير من المتقاضين في إطار المساعدة القضائية، والتي أوقفتموها ضدا على القانون، والتي تعتبر الحكومة مدينة بها منذ 2008 إلى اليوم، ومن حق المحامين أن يقاضوا الحكومة أمام القضاء على تلك التعويضات، لأن قانون المحاماة نص على المبالغ المستحقة للمحامين عن المساعدة القضائية، ويجب أن تؤدى من الميزانية العامة للدولة التي تحضرها الحكومة وليس مما تبقى من الميزانية الفرعية لوزارة العدل والحريات، كما حملها مرسوم وزير العدل.

عفوا رئيس الحكومة، من غير المقبول استعمال خطاب عدائي ضد المحامين من قبل المسؤول الأول في الحكومة، وتقديمهم للمواطنين كأنهم أعداء لهم، وأنكم أنتم منقذهم، فيما تنسون أنكم لا تترددون في تقرير الزيادات المتعددة في جميع المواد الاستهلاكية التي لها علاقة مباشرة بحياتهم اليومية. فلماذا لا تستحضرون الخطاب نفسه الذي وجهتموه إلى المحامين عندما تقررون تلك الزيادات؟

عفوا رئيس الحكومة، إذا كنتم بالفعل تخافون على المواطن، وتريدون مصلحته، عليكم أن تصدروا قانونا يعفيهم من صوائر المقال وصوائر الاستدعاء وصوائر تبليغ الحكم وصوائر تنفيذه وصوائر التسجيل.

عفوا رئيس الحكومة، إن المحامي هو المؤهل للدفاع عن المتقاضي أمام تشعب القوانين وتعدد المحاكم. وإذا كنتم تريدون الدفاع عنه فليس بالخطاب التحريضي ضد المحامين، وإنما بسن القوانين التي تمكن المواطن من الاستفادة من مساعدة المحامي في كل القضايا، حتى لا يضطر إلى مغادرة عمله لحضور الجلسات التي قد تتأخر أكثر من مرة، ما قد يؤدي إلى طرده من عمله.

عفوا رئيس الحكومة، إن 5000 درهم التي رددتموهما في تدخلكم واستصغرتموها تعادل شهرين من العمل بالحد الأدنى من الأجر، والذي للمناسبة وعدتم المغاربة برفعه إلى 3000 درهم دون أن تفوا بوعدكم.

عفوا رئيس الحكومة، إنكم ستصعبون على القاضي تسيير جلسته، عندما ستضعونه في مواجهة متقاض أخطأ في إجراء مسطري ما. فهل ينصحه، وفي هذه الحالة، سيفقد حياده؟ أم سيحكم بإلغاء دعواه؟

عفوا رئيس الحكومة، هل تعلمون أن مهنة المحاماة هي المشغل الثاني بعد الدولة لخريجي الجامعات، وهو ما يعني أنها تساعد الحكومة في توفير مناصب الشغل، وتخفف الثقل على التزامات الحكومة.

عفوا رئيس الحكومة، ليس مقبولا أن تحاولوا استعداء المواطن ضد المحامين بالطريقة التي تكلمتم بها في البرلمان، في الوقت الذي شهدت هيأة الإنصاف والمصالحة على الدور الكبير الذي قام به المحامون في مواجهة الظلم والعنف والتعذيب في زمن الجمر، وهو الزمن الذي لم نكن نسمع لمن يتكلمون الآن صوتا ظاهرا ومعلوما.

عفوا رئيس الحكومة، إذا كانت حكومتكم لا تريد تقديم أي شيء للمحامين والمحاماة، فعلى الأقل لا تسحبوا منها ما حصلت عليه في زمن حكومات سابقة شهد لها التاريخ باحترامها لهذه المهنة ونسائها ورجالها وتعاملوا معها تعاملا مسؤولا.

(عن يومية "الصباح"، الأربعاء 10 دجنبر 2014)