Tuesday 2 September 2025
مجتمع

التقارير الدولية بين الحقيقة والتحريف.. كيف تُشكّل التصنيفات ومصادرها غير الموضوعية صورة مشوهة للمغرب؟

 
 
التقارير الدولية بين الحقيقة والتحريف.. كيف تُشكّل التصنيفات ومصادرها غير الموضوعية صورة مشوهة للمغرب؟ بومدين وجانب من الاحتجاج في المغرب
أوضح الكاتب عبد الصادقي بومدين، أن تقارير وتصنيفات منظمات دولية كثيرة تعتمد على مصادر غالبًا غير موثوقة أو إعلام معارض غير موضوعي، مستدلا على ذلك بحالة المغرب وكيف أن بعض التصنيفات تظهر نتائج غير منطقية لما تُقارن بدول أخرى لها أوضاع أصعب..

 
هناك لبس كبير، وحتى مغالطات، بخصوص ما يسمى بالتقارير والتصنيفات الدولية. هذه التقارير والتصنيفات تصدرها منظمات ويحررها أشخاص. هؤلاء ليس لديهم معرفة خارقة بكل ما يجري في الدول المعنية وبكل التفاصيل، وليس لديهم أجهزة رصد سحرية، ولا يمكن لهم التواجد في كل الدول للتعرف عليها لتكون تقاريرهم موضوعية. 

كل ما هناك أنهم يعتمدون على ما يصدر رسميًا في تلك الدول من جهة، وما يصدر عن تنظيمات سياسية أو اجتماعية أو حقوقية معارضة، وما يكتبه الإعلام المحلي. الذي يحدث هو أن هناك دولًا تصدر وثائق عن الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية أو الحقوقية تكون إما حقيقية أو أقرب للحقيقة. وهناك دول تقدم تصريحات مزورة، تنفخ في الأرقام أو تنقص منها، وليست هناك هيئات مضادة للطعن فيها. 

الهيئات التي تصدر التقارير والتصنيفات تعتمد أساسًا على الوثائق والتصريحات الرسمية. المصدر الثاني للمعلومات والمعطيات هو ما تنشره الهيئات المعارضة والهيئات المستقلة والإعلام. 

ما يحدث هنا هو أن هناك دولًا بها هيئات معارضة وهيئات مستقلة تصدر وثائق وتقارير، وإعلام حر ومستقل ينشر وقائع ومعطيات وأحداث. وهناك بلدان لا توجد بها أي هيئات معارضة أو مستقلة، ولا إعلام حر ومستقل عن الدولة بل ينشر فقط ما يدعم التقارير الرسمية. 

لذلك تجد أن بعض التصنيفات والتقارير عن المغرب، مثلا، تبدو لنا غير واقعية وأحيانًا غريبة، عندما نقارنها بدول مثل الصومال أو السودان أو الجزائر أو تونس أو السعودية، وأحيانًا أفغانستان، ودول معروفة بأنها ديكتاتورية وليس فيها أي صوت معارض أو إعلام مستقل. 

ذلك لأن الموظفين المكلفين بتحرير تقارير وتصنيفات لا يجدون أمامهم سوى التقارير والتصريحات الرسمية التي تكون، عادة، مزورة وغير حقيقية. تجد، مثلا، أن المغرب مصنف أقل من السعودية في حرية التعبير، أو مع الصومال أو أفغانستان أو السودان في التنمية الاقتصادية، أو أقل من الجزائر في كل شيء ما عدا في مداخيل البترول! 

في المغرب، مثلا، توجد هيئات مستقلة تصدر تقارير عن الوضع الاقتصادي مثل مركز الظرفية أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وبشكل خاص المندوبية السامية للتخطيط، وهي تقارير لها مصداقية وكثيرًا ما تُطعن فيها الحكومة لموضوعيتها أو قربها من الواقع. 

هذه التقارير الموضوعية، أو الأقرب للحقيقة، هي ما تعتمدها الهيئات والموظفون المكلفون بصياغة التقارير ووضع التصنيفات، والذين يعتمدون فقط، في بلد مثل الجزائر، على التقارير الرسمية أو شبه الرسمية التي تروج لأرقام ونسب غير حقيقية. 

في المغرب، هيئات حقوقية مستقلة، بل منها المعارضة، تتابع الوضع الحقوقي والاعتقالات والمحاكمات، وتتخذ مواقف وتصدر أحكامًا غير موضوعية أحيانًا ولأهداف سياسية في كثير من الأحيان، والموظفون أنفسهم يعتبرونها حقائق ويعتمدونها في تصنيفاتهم. 

في المغرب إعلام حر، على العموم، وأفضل بف مرة من إعلام عشرات الدول التي لا توجد بها أي حرية إعلام، ويوجد بها فقط إعلام رسمي أو شبه رسمي. وتنشر وسائل الإعلام المغربية المعارضة أو المستقلة مقالات وأخبارًا ومتابعات لكل ما يجري في البلد، وأحيانًا بشكل غير موضوعي ومبالغ فيه لاعتبارات الكفاءة المهنية أو اعتبارات سياسية أو غير سياسية. 

هذه التقارير والمقالات والمتابعات يعتمدها الموظفون المكلفون بصياغة التقارير والتصنيفات، وفي المقابل لا يجدون في بلدان كثيرة سوى إعلام رسمي لا يقول الحقيقة.
 
ويتعين، إضافة لكل ما سبق، القول إن هذه الهيئات غير منزهة بالمطلق، وليست مراكز أبحاث علمية في العلوم الدقيقة، وبدون أية أهداف سياسية في نهاية المطاف. كما أن الموظفين المكلفين بإنجاز التقارير ليسوا علماء فيزياء يتعاملون مع المادة كما هي وبهدف علمي بحت، وليسوا "ملائكة" تكتب أفعال البشر وحسناتهم وسيئاتهم. هم بشر لهم ميولاتهم الفكرية والسياسية ومواقف من الأنظمة والسياسات العمومية، وحتى مصالح قد تكون مالية أحيانًا (يعني رشوة بصريح العبارة). 

لذلك يتعين، في تقديري، الحذر الشديد مما يصدر من تقارير عن المغرب وعن التصنيفات التي يوضع فيها بشكل متعسف واضح لكل متتبع ولكل من يعيش بالمغرب، وخاصة من سبق له زيارة بلدان تصنف أحيانًا أفضل من المغرب في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي، بهتان واضح. 

المغرب أفضل بكثير من عدد من بلدان الشرق وأفريقيا و"العالم الثالث" على العموم. 
أما التقارير والتصنيفات الدولية، فكثير منها بدون مصداقية، ليس لأن محرريها يريدون ذلك بشكل متعمد ومعادي للمغرب بالضرورة، بل لأن المصادر التي يعتمدونها لا تكون دائمًا بمصداقية وتقول الحقيقة كما هي.