Monday 1 September 2025
فن وثقافة

الأديب المقدسي محمود شقير يستكمل ثلاثيته السيرية مع "هامش أخير"

الأديب المقدسي محمود شقير يستكمل ثلاثيته السيرية مع "هامش أخير" محمود شقير وغلاف الكتاب
صدر حديثاً عن دار نوفل / هاشيت أنطوان الجزء الثالث والأخير من سيرة الأديب المقدسي محمود شقير، "هامش أخير"، وفيه "يستوفي ما كان ناقصا" في الجزئين الأولين من سيرته المنشورة: "تلك الأزمنة" و"تلك الأمكنة"، تحدوه رغبة واحدة :"أكتب لعلّ العالم يصبح أجمل، ولعلّ الشرّ يكون أقل"، كما يكرر شقير دوما.

في "أول الكلام"، شرح شقير لماذا "هامش أخير"، موضحا "أكتب للناس الذين أعرفهم وأعيش معهم، ولشعبي الذي يعاني منذ أكثر من مئة عامٍ من أبشع غزوةٍ صهيونيّةٍ عدوانيّةٍ استيطانيّةٍ إقصائيّة، لشعبي الذي من حقّه أن يعيش حياة طبيعيّة في ظلّ الحرّية والديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة والعودة وتقرير المصير والاستقلال... أكتب لكي أسهم في الدفاع عن قيم الحقّ والخير والجمال... أحاول كتابة نصٍّ يمجّد الحياة ويُعلي من شأن الإنسان، ويضع الإنسانيّة في المكانة اللائقة بها بعيدًا من عسف الطغاة... وأكتب لكي لا تكون حياتي خاوية جوفاء، فالكتابة هي التي تُعينني على مواصلة الحياة".

وتأتي هذه السيرة تتويجًا لمسيرة شقير، الذي أنتج عددًا كبيرًا من الأعمال القصصيّة والروائيّة وكتب السيرة والمسلسلات التلفزيونيّة والمسرحيات، واستكمالًا لكتابَي السيرة السابقَين «تلك الأزمنة» و«تلك الأمكنة». وهنا يقدّم عصارة تجاربه في الحياة وفي الكتابة. 

في عناوين كثيرة وقصيرة تشبه فصولًا، وبأسلوبٍ هادئٍ ولغةٍ واضحة تموج بين الإمتاع والتأمل والطرافة، يعرّي شقير ذاته بدون أقنعةٍ أمام القارئ، بلا عقدٍ ولا خوفٍ من مواجهة ذاته بصدقٍ وجرأة. 

تحضر القدس كثيمةٍ رئيسةٍ في الكتاب، وكمدينةٍ صاغت شخصية الكاتب، وكجزء من مادّة شقير الأدبية، وجزءٍ من روحه ووعيه. ويُضيء بعجالةٍ على وضعها الحضاري قبل النكبة وأحوالها الثقافيّة، ثم تحوّلها مع توالي النكسات.

في هذه السيرة تلويحات وفاءٍ لأسماءٍ أدبيّة وأصدقاء مرّوا في حياة الكاتب وهم كثُر، واحتفاءٌ وتقديرٌ للمرأة وأدوارها في المجتمع، وذكرٌ لمدنٍ وأمكنةٍ زارها داخل فلسطين وخارجها، كبيروت ودمشق، الجزائر، بلغاريا، إسطنبول، براغ... وفي آخر الكتاب ملحقٌ فيه معايدة لكتّابٍ بعيد ميلاد الكاتب الثمانين، وشهادات في كتابته. 
تبدو السيرة كأنها تأريخ ثقافيّ وسياسيّ وتاريخيّ لمرحلة مهمة منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
 
صدر للأديب محمود شقير جزئين سابقين يوثقان سيرته  وهما :  "تلك الأمكنة" (2020)، وهو عمل سيري يستكمل فيه شقير سرديته الأدبية عن العامّ انطلاقًا من الخاصّ: تنقّله من مدينة إلى أخرى، التحاقه بالسياسة، أبناؤه وفرحة الأحفاد. يضيء على تفاصيل حياته ومنعطفاتها، ببساطته الممتنعة المعهودة، فنرى خلف التفاصيل الصورة الأكبر، صورة الديناميات الثقافية الفلسطينية والعربية والتحدّيات السياسية والاجتماعية. يتلو شقير قصّته، ولكن، كالعادة، نقرأ من خلفها قصّة المدينة وأهلها.

و"تلك الأزمنة" (2022)، وفيه يستعيد شقير التفاصيل وهو على عتبة الثمانين. يبدأ من طفولته في القدس، ويُسهِب في الحديث عن فترة النِضالَين الحزبي والوطني، كما يفرد مساحة أوسع للتجارب الشخصية، والعلاقات مع بقية زملائه من الكتاب والمناضلين الفلسطينيين. ما يميّز هذا الجزء، بالإضافة إلى ما ذُكِر، ليس استعراض المدن الكثيرة التي زارها شقير، ولا سرد أحداث من تاريخ النضال الفلسطيني وحسب، بل ثراء السرد بحدّ ذاته، وطول الفترة الزمنية التي يغطيها، ما يرشّحه لأن يكون مرجعاً لكلّ باحث وقارئ مهتم بالذاكرة الفلسطينية المعاصرة.

بهذه الثلاثية، يقدّم محمود شقير ليس فقط سيرة ذاتية، بل شهادة أدبية وتاريخية على التحولات التي عصفت بفلسطين والقدس، وعلى أثرها في كاتب ظلّ أمينا لذاكرته، وفنه، وقضيته محمود شقير – كاتب فلسطيني (مواليد القدس، 1941). يكتب القصّة والرواية للكبار والفتيان. أصدر حتّى الآن خمسة وثمانين كتابًا، وكتب ستّة مسلسلات تلفزيونيّة طويلة وأربع مسرحيّات. تُرجمت بعض كتبه إلى اثنتي عشرة لغة من بينها الإنكليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والسويديّة والفارسيّة والتركيّة. حاز جوائز عديدة، من بينها جائزة محمود درويش للحرّية والإبداع (2011)، جائزة القدس للثقافة والإبداع (2015)، جائزة دولة فلسطين في الآداب (2019)، جائزة الشرف من اتحاد الكتّاب الأتراك (2023)، وجائزة فلسطين العالمية للآداب (2023).  تنقّلَ بين بيروت وعمّان وبراغ، ويقيم حاليًّا في القدس.