Friday 22 August 2025
مجتمع

مدينة بين الإهمال والطموح… جمعة اسحيم تبحث عن طريقها نحو التنمية

مدينة بين الإهمال والطموح… جمعة اسحيم تبحث عن طريقها نحو التنمية جمعة اسحيم
زيارة إلى جماعة جمعة اسحيم تجعل الزائر يقف على واقع تنموي معقد، حيث تتقاطع فيه أحلام الساكنة مع تحديات متعددة ما زالت دون حلول عملية. فهذه المدينة التي كان من المفترض أن تتحول إلى مركز حيوي داخل إقليم آسفي ما زالت تعاني من غياب رؤية واضحة قادرة على تحقيق الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي. مشاريع كثيرة توقفت عند حدود الوعود، وأخرى شيدت بأموال عمومية مهمة لكنها بقيت فارغة بلا استغلال، فيما لا تزال المدينة تنتظر ربطها فعليا بآسفي عبر وسائل النقل الحضري بالطوبيس، خدمة أساسية كان من الممكن أن تسهم في فك العزلة عن الساكنة وتمنحهم وسيلة تنقل آمنة ومنظمة.

أحد أبرز الإشكالات التي تطبع المشهد المحلي هو غياب أي اهتمام جدي بالشباب، هذه الفئة التي تمثل طاقة مبدعة وقوة اقتراحية قادرة على تحريك عجلة التنمية، غير أنها وجدت نفسها على الهامش، محرومة من فضاءات ثقافية ورياضية، ومن مؤسسات للتأطير والتكوين. الحاجة ماسة اليوم إلى البحث عن شراكات حقيقية مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من أجل جلب استثمارات توفر فرص شغل وتخلق قيمة مضافة محلية، كما أن التفكير في إنشاء مركز للتكوين المهني بجمعة اسحيم صار ضرورة ملحة لتمكين الشباب من ولوج سوق الشغل بمهارات مؤهلة، عوض دفعهم إلى البطالة أو الهجرة نحو المدن الكبرى بحثا عن لقمة العيش.

من جهة أخرى، يظل ملف الاستثمار رهانا مركزيا لتغيير ملامح المدينة، إذ لا يمكن الحديث عن تنمية دون تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة وتبسيط المساطر أمام المستثمرين، خاصة وأن المنطقة تتوفر على موقع استراتيجي يمكن أن يجعلها قطبا اقتصاديا في حال تهيئة الظروف المناسبة. ولا يمكن إغفال أن السوق الأسبوعي القابع وسط المدينة يشكل عائقا حقيقيا أمام تنظيم المجال الحضري، حيث يتسبب في ازدحام خانق وفوضى عارمة تؤثر على السير والجولان وتسيء إلى جمالية المكان، الأمر الذي يفرض التفكير في نقله إلى موقع مناسب خارج النسيج العمراني حتى يستعيد المركز رونقه وتنفتح أمامه آفاق جديدة في التنظيم والتأهيل.

إلى جانب ذلك، تظل معضلة الأزبال مطروحة بإلحاح شديد، حيث تتناثر النفايات في كل زاوية وتنتشر الروائح الكريهة، وهو ما ينعكس سلبا على صحة المواطنين وصورة المدينة. البحث عن حلول جذرية لهذا المشكل بات واجبا مستعجلا من خلال وضع مخطط متكامل لتدبير النفايات يقوم على الشفافية والتدبير العصري ويشرك الساكنة في ثقافة النظافة والحفاظ على البيئة. كما أن الحديث عن تدبير الشأن المحلي لا يكتمل دون التطرق إلى وضعية العمال العرضيين الذين يشكلون شريحة هامة تساهم في تسيير الحياة اليومية للمدينة، غير أن التعامل معهم يجب أن يتم في إطار من الحياد والإنصاف بعيدا عن أي استغلال انتخابي أو تمييز في المعاملة، بما يضمن لهم الكرامة والاستقرار المهني.

إن صورة جمعة اسحيم اليوم تعكس مدينة تتخبط في مشاكل بنيوية عميقة، غير أنها في الوقت نفسه تمتلك إمكانيات كبيرة إذا ما توفرت الإرادة السياسية والرغبة الصادقة في التغيير. فبإمكانها أن تتحول إلى مجال جذاب للاستثمار وفضاء يحتضن شبابها إذا ما تم فتح أوراش إصلاح حقيقية، تبدأ من فك العزلة عبر النقل الحضري وتصل إلى تحسين البنية التحتية وتشجيع الاستثمار وإحداث مؤسسات للتكوين، مرورا بإعادة هيكلة السوق الأسبوعي ومعالجة معضلة الأزبال وضمان العدالة الاجتماعية للعمال العرضيين. وبين واقع الإهمال وطموحات الساكنة، تبقى جمعة اسحيم في حاجة إلى مقاربة جديدة تعيد الثقة للمواطنين وتربط المسؤولية بالمحاسبة وتضع الإنسان في صلب أي مشروع تنموي.