في ظل التغيرات الجيو-اقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم، لم يعد يكفي أن يكون للدول موانئ بحرية، بل بات ضرورياً أن تكون هذه الموانئ أذرعاً استراتيجية للتنمية، وأدوات لإعادة تشكيل التوازنات الاقتصادية الداخلية والخارجية. وفي هذا الإطار، يندرج مشروع ميناء الناظور غرب المتوسط، الذي يتجاوز كونه منشأة بحرية ضخمة، ليغدو أحد أعمدة الرؤية الملكية الهادفة إلى إعادة التوازن المجالي، ورفع تنافسية المغرب في محيطه الإقليمي والدولي.
هذا المشروع، المتوقع دخوله حيز التشغيل أواخر سنة 2026، ليس تكراراً لتجربة طنجة المتوسط، بل تطوّراً طبيعياً لها، وامتداداً استراتيجياً في جهة ظلّت لسنوات خارج رادارات الاستثمار الكبرى: الشرق المغربي. ومثلما غيّر ميناء طنجة المتوسط موقع الشمال المغربي على خارطة التجارة العالمية، فإن ميناء الناظور سيمنح للشرق موقعاً محورياً في سلاسل الإنتاج واللوجستيك والصناعة المستدامة.
بعين تحليلية، يمكن قراءة هذا الميناء كـنقطة التقاء لخمسة رهانات استراتيجية:
العدالة المجالية من خلال خلق توازن اقتصادي بين الجهات.
الصناعة المستدامة عبر استقطاب استثمارات في الطاقات النظيفة والتحويل الصناعي.
خلق فرص الشغل يناهز عددها 100 ألف منصب مباشر وغير مباشر.
الاندماج في سلاسل القيمة العالمية بفضل منصة مينائية عميقة ومتصلة بشبكات الشحن الكبرى.
تموقع جيو-اقتصادي جديد للمغرب في غرب البحر الأبيض المتوسط، بصفة أكثر استقلالية ونجاعة.
الصناعة المستدامة عبر استقطاب استثمارات في الطاقات النظيفة والتحويل الصناعي.
خلق فرص الشغل يناهز عددها 100 ألف منصب مباشر وغير مباشر.
الاندماج في سلاسل القيمة العالمية بفضل منصة مينائية عميقة ومتصلة بشبكات الشحن الكبرى.
تموقع جيو-اقتصادي جديد للمغرب في غرب البحر الأبيض المتوسط، بصفة أكثر استقلالية ونجاعة.
البيئة الحاضنة للميناء، وهي منطقة صناعية حرة بمساحة 800 هكتار، ليست مجرد فضاء خدماتي، بل هي قلب المشروع النابض، حيث ستتركز صناعات السيارات والطاقة والمعدات والكيماويات، ضمن تصور متكامل يجمع بين الأنشطة المينائية والإنتاجية واللوجستية.
وفي زمن اشتداد التنافس على الموانئ ذات القيمة المضافة العالية، يأتي هذا المشروع ليؤكد قدرة المغرب على الاستباق، التخطيط طويل المدى، وتثمين موقعه الجغرافي الفريد. والأهم أنه مشروع بُني بسواعد مغربية وخبرات محلية، ليجسد تحولاً حقيقياً في الذكاء الهندسي الوطني.
أما البُعد الأخضر للميناء، فليس تفصيلاً ثانوياً، بل رهاناً مركزياً. إذ تم دمج أحدث التقنيات البيئية ضمن كل مكونات المشروع، بما يعكس التزام المغرب بمبادئ التنمية المستدامة والانتقال الطاقي، ويعزز جاذبية المملكة لدى المستثمرين الباحثين عن وجهات موثوقة ومتقدمة بيئياً.
لقد آن الأوان لتخرج جهة الشرق من منطق “الجهة المؤجلة”، وتدخل بقوة في منطق “الجهة الرائدة”. وميناء الناظور غرب المتوسط هو المفتاح الذهبي لهذا التحول، بفضل رؤية ملكية استباقية، وقدرة مؤسساتية بدأت تثق أكثر فأكثر في ممكنات المجال، وذكاء المجال.
في النهاية، لا يتعلق الأمر فقط بميناء، بل بمسار وطني متجدد، يروم أن تكون لكل جهة في المغرب رافعتها الخاصة، ومساهمتها النوعية في المسار التنموي العام. الناظور لم تعد هامشاً. هي اليوم عنوان لمغرب يتحرك، بذكاء، نحو المستقبل.