Sunday 27 July 2025
منبر أنفاس

سعيد عاتيق: من صناديق الاقتراع إلى أرشيف المحاكم

سعيد عاتيق: من صناديق الاقتراع إلى أرشيف المحاكم سعيد عاتيق
أربع سنوات من الولاية الجماعية والبرلمانية الحالية كانت كافية في تعرية واقع الفساد المستشري .
فمنذ انتخابات 2021 التي وصفت بأنها لحظة تحول في تدبير الشأن العام لم تهدأ عاصفة المتابعات القضائية التي طالت المنتخبين، رؤساء الجماعات، والبرلمانيين.
48 شهرا مرت من هذه الولاية، و كانت حبلى بالقضايا التي تكشف هشاشة البنية السياسية، وغياب الصرامة في تفعيل آليات المحاسبة، رغم ما تحمله الدساتير والقوانين التنظيمية من شعارات رنانة حول ربط المسؤولية بالمحاسبة.
فما حجم المتابعات؟
ومن هم المتورطون؟
وهل العقوبات كافية للردع؟
بحسب معطيات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية وتقارير إعلامية موثوقة، فإن عدد المنتخبين الجماعيين الذين تمت متابعتهم قضائيا خلال سنة 2024 فقط بلغ 180 منتخبا من بينهم:
60 رئيس جماعة حاليا
16 رئيسا سابقًا
25 نائبا للرئيس
79 مستشارا جماعيا ، ومازال العاطي يعطي ...
وتوزعت صكوك الإتهام ما بين الاختلاس، تبديد أموال عمومية، خروقات تعميرية، استغلال النفوذ، وتزوير الوثائق الرسمية وغيرها من السلوكيات اللاقانونية.
أما على مستوى البرلمان، فقد طالت شبهات الفساد أكثر من 20 برلمانيا، بعضهم تم عزلهم أو التحقيق معهم رسميا، كما تم تسجيل حالات حبس نافذ في حق بعضهم بسبب تهم تتعلق بالرشوة واستغلال المنصب.
في سنة 2022 فقط، تم عزل 55 منتخبا، ضمنهم 18 رئيس جماعة و30 نائبا للرئيس. كما توصلت المحاكم الإدارية بـأزيد من 150 طلبا للعزل خلال السنوات الأربع الماضية، بناء على تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية.
غير أن اللافت، هو أن نسبة كبيرة من هذه المتابعات تبقى إدارية أو قضائية في ظاهرها فقط، دون أثر ملموس على إعادة الثقة في المؤسسات، بسبب بطء المساطر أو عودة بعض المعزولين إلى المشهد السياسي بطرق لا يعلم بطرقها إلا الراسخون في الفساد والبارعون في العوم في مستنقعات اللاقانون .
فرغم وجود ترسانة قانونية متقدمة، على رأسها القوانين التنظيمية للجماعات والجهات، وميثاق المرافق العمومية، إلا أن الواقع يشهد بل يصرح علنا وجهارا أن القوانين وحدها لا تكفي، ما دامت روح المسؤولية غائبة، والمؤسسات عاجزة عن فرض القانون.
فالفساد اليوم لم يعد ظاهرة فردية، بل أصبح منظومة متكاملة تتغذى من التواطؤ، الحصانات السياسية، والتهاون في تنفيذ الأحكام.
وما يزيد الطين بلة، هو أن العديد من المنتخبين الفاسدين يعودون مجددا للترشح، أو يستمرون في ممارسة مهامهم، وكأن شيئا لم يكن، وسط غياب رقابة شعبية حقيقية أو تفعيل جدي لمبدأ "من أين لك هذا؟".
مع الإشارة إلى سياسة "عين ميكا" التي تمارسها الدولة مع مطالب الحقوقيين وشرفاء الوطن التواقون إلى بناء دولة المؤسسات وهم يتقدمون بالمقترحات والمبادرات في هذا الإتجاه لكن " لمن تعاااود زابورك يااا داوود"
فالواقع يكشف بل ويصرح علنا وجهارا أن المتابعات القضائية وحدها لم تكن يوما كافية ولا السجن وحده وسيلة لتأنيب الضمير وإعادة الاعتبار لقيم المسؤولية.
فالمسؤول الذي يحاكم لا يشعر بالعار، بل أحيانا يخرج من المحكمة أقوى متمتعا بمناعة صلبة بفضل تغلغل ثقافة "اللاقانون"، وغياب المحاسبة السياسية الحقيقية.
إننا اليوم بحاجة إلى ما هو أعمق من المساءلة القضائية:
نحتاج إلى تفعيل حقيقي لدولة المؤسسات، وتطهير شامل للمشهد الانتخابي، وتجديد للثقافة السياسية نفسها.
فمن دون ذلك، سنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة: انتخابات، وفساد، ومحاكم، ثم عفو، ثم عودة.
 
سعيد عاتيق/ فاعل جمعوي