Friday 25 July 2025
اقتصاد

مصطفى فوزي: هذه مفاتيح تنزيل النجاعة الطاقية والعمارة الطينية فـي المناطق الواحية لمواجهة المناخ القاسي

مصطفى فوزي: هذه مفاتيح تنزيل النجاعة الطاقية والعمارة الطينية فـي المناطق الواحية لمواجهة المناخ القاسي مصطفى فوزي ومشهد للعمارة الطينية من جنوب المغرب
موضوع‭ ‬النجاعة‭ ‬الطاقية‭ ‬والتعمير،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬تعرفه‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭. ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬ظاهره‭ ‬تقني،‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬حديث‭ ‬راهن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لسكان‭ ‬المناطق‭ ‬الواحية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬الصحراوية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬تقلبات‭ ‬مناخية‭ ‬قاسية،‭ ‬بحرارة‭ ‬مرتفعة‭ ‬في‭ ‬الصيف‭ ‬وبرد‭ ‬قارس‭ ‬في‭ ‬الشتاء‭.‬
 
يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬بالعمارة‭ ‬الطينية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭ ‬وسيلة‭ ‬اعتمدها‭ ‬الإنسان‭ ‬الواحي‭ ‬في‭ ‬تناغم‭ ‬وتجانس‭ ‬مع‭ ‬محيطه‭ ‬البيئي‭. ‬فالعمارة‭ ‬الطينية‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬إرثًا‭ ‬معماريا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أفق‭ ‬بيئي‭ ‬قائم‭ ‬بذاته،‭ ‬ووعاء‭ ‬لخصائص‭ ‬مناخية‭ ‬منسجمة‭ ‬مع‭ ‬البيئة‭ ‬الصحراوية‭. ‬إنها‭ ‬رصيد‭ ‬تفاعلي‭ ‬يعكس‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬المجال،‭ ‬ويمثل‭ ‬مدخلًا‭ ‬بيئيًا‭ ‬متميزًا،‭ ‬بفضل‭ ‬خصائصه‭ ‬الحرارية‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬الراحة‭ ‬خلال‭ ‬فصول‭ ‬السنة‭ ‬المختلفة‭.‬
 
العمارة‭ ‬الطينية‭ ‬هي‭ ‬عمارة‭ ‬وثيقة‭ ‬الارتباط‭ ‬بالبيئة،‭ ‬وهي‭ ‬عمارة‭ ‬نظيفة‭ ‬تمتص‭ ‬لكل‭ ‬أجناس‭ ‬التلوث‭ ‬وتستوعب‭ ‬مختلف‭ ‬الشرائح‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬من‭ ‬الغني‭ ‬إلى‭ ‬الفقير،‭ ‬وتتماهى‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬فعل‭ ‬تنموي‭ ‬محلي‭.‬
 
الحديث‭ ‬عن‭ ‬النجاعة‭ ‬الطاقية‭ ‬في‭ ‬البناء،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الواحية‭ ‬الحارة،‭ ‬يعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬ممارسات‭ ‬قديمة‭ ‬ظلت‭ ‬مطبقة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬«المعلمين»‭ ‬أو‭ ‬«الحرفيين‭ ‬الواحيين»،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يستعملون‭ ‬مواد‭ ‬عازلة‭ ‬للحرارة‭ ‬مثل‭ ‬الطين‭ ‬أو‭ ‬الطوب،‭ ‬ويحرصون‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬المباني‭ ‬بشكل‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬امتصاص‭ ‬الحرارة‭. ‬كانت‭ ‬المعمارية‭ ‬الواحية‭ ‬تتفتح‭ ‬نحو‭ ‬الداخل،‭ ‬عبر‭ ‬البهو‭ ‬والمراح،‭ ‬مع‭ ‬نوافذ‭ ‬صغيرة‭ ‬على‭ ‬الخارج‭ ‬وأخرى‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬لتسهيل‭ ‬التهوية‭.‬
 
في‭ ‬العصر‭ ‬الحالي،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية،‭ ‬سواء‭ ‬للإنارة‭ ‬أو‭ ‬التبريد،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬بلد‭ ‬مشمس‭ ‬أغلب‭ ‬فصول‭ ‬السنة‭. ‬كما‭ ‬أصبح‭ ‬العزل‭ ‬الحراري‭ ‬ضرورة‭ ‬تقنية‭ ‬وبيئية،‭ ‬عبر‭ ‬استعمال‭ ‬مواد‭ ‬تمنع‭ ‬انتقال‭ ‬الحرارة‭ ‬من‭ ‬الجدران‭ ‬والأسقف،‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭ ‬"Isolation thermique".‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬الحرارة‭ ‬داخل‭ ‬المباني‭ ‬وتقلل‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬الطاقة‭.‬
 
توجيه‭ ‬المباني‭ ‬يلعب‭ ‬أيضًا‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا،‭ ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تقليل‭ ‬اكتساب‭ ‬الحرارة‭ ‬عبر‭ ‬النوافذ،‭ ‬مع‭ ‬اعتماد‭ ‬مواد‭ ‬بناء‭ ‬ذات‭ ‬كتلة‭ ‬حرارية‭ ‬عالية،‭ ‬مثل‭ ‬الطوب‭ ‬أو‭ ‬الحجر‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أذكر‭ ‬أنني‭ ‬التقيت‭ ‬بفريق‭ ‬بحث‭ ‬من‭ ‬المهندسين‭ ‬المعماريين‭ ‬اليابانيين،‭ ‬زاروا‭ ‬قصبة‭ ‬تاوريرت،‭ ‬وأثار‭ ‬إعجابهم‭ ‬التصميم‭ ‬المعماري‭ ‬التقليدي،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬أحدهم‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬تجريب‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬باردة،‭ ‬باستخدام‭ ‬نفس‭ ‬المواد‭.‬
 
جانب‭ ‬آخر‭ ‬مهم‭ ‬هو‭ ‬التشجير‭ ‬والتوازن‭ ‬البيئي‭ ‬داخل‭ ‬الواحة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬متكاملا‭ ‬كمنظومة‭ ‬إيكولوجية‭ ‬متناغمة‭. ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬فنلاحظ‭ ‬اختلالات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوازن،‭ ‬أبرزها‭ ‬تراجع‭ ‬الغطاء‭ ‬النباتي‭ ‬داخل‭ ‬المدن‭ ‬الواحية،‭ ‬وغياب‭ ‬التخطيط‭ ‬في‭ ‬تشجير‭ ‬هذه‭ ‬المدن،‭ ‬حيث‭ ‬تُزرع‭ ‬أشجار‭ ‬النخيل‭ ‬المثمرة‭ ‬أو‭ ‬الأنواع‭ ‬المستوردة‭ ‬مثل‭ ‬"الواشنطونيا"،‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬وظيفتها‭ ‬البيئية‭ ‬أو‭ ‬الجمالية‭.‬
 
لهذا‭ ‬يجب‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬زراعة‭ ‬أشجار‭ ‬ظل‭ ‬توفر‭ ‬الظل‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬الجمالية‭ ‬الحضرية‭.‬
كما‭ ‬يجب‭ ‬تجنب‭ ‬الاعتماد‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬الزجاج‭ ‬في‭ ‬المباني،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الواحية،‭ ‬لأنه‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬احتباس‭ ‬الحرارة‭ ‬ويجعل‭ ‬الأماكن‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للسكن‭ ‬خلال‭ ‬فترات‭ ‬الحر‭ ‬الشديد‭. ‬وإذا‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر‭ ‬استعمال‭ ‬الزجاج،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مزدوجًا‭ ‬مع‭ ‬طبقة‭ ‬عازلة‭.‬

 
من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬إدماج‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬وأن‭ ‬المغرب‭ ‬يتمتع‭ ‬بإشعاع‭ ‬شمسي‭ ‬قوي،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬اعتماد‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭. ‬
 
البناء‭ ‬المستدام‭ ‬في‭ ‬الواحات‭ ‬ليس‭ ‬فكرة‭ ‬جديدة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬امتداد‭ ‬لتقليد‭ ‬قديم‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬تناغم‭ ‬مع‭ ‬البيئة‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬اليوم‭ ‬يواجه‭ ‬عراقيل‭ ‬قانونية‭ ‬وتقنية‭.‬
 
لكن،‭ ‬يكمن‭ ‬الإشكال‭ ‬في‭ ‬تنزيل‭ ‬هذه‭ ‬النقط،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬يعترف‭ ‬بالبناء‭ ‬بالطين،‭ ‬مما‭ ‬يصعب‭ ‬إنجاز‭ ‬تصاميم‭ ‬خاصة‭ ‬بهذا‭ ‬النمط،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكفاءات‭ ‬التقنية‭ ‬المؤهلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬نادرة‭. ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬مهندسين‭ ‬معماريين‭ ‬وتقنيين‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬بالطين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬النجاعة‭ ‬الطاقية‭ ‬بين‭ ‬المهنيين‭ ‬والمواطنين،‭ ‬لاننسى‭ ‬غياب‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬البنكي‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬ودعم‭ ‬البناء‭ ‬بالطين‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬تطوير‭ ‬صناعة‭ ‬محلية‭.‬
 
المنطقة‭ ‬الواحية‭ ‬تمتلك‭ ‬رصيدًا‭ ‬عقاريًا‭ ‬مهمًا‭ ‬جدا،‭ ‬لكنه‭ ‬عرضة‭ ‬للإهمال‭ ‬والتفويت،‭ ‬ولهذا‭ ‬ينبغي‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬توظيف‭ ‬البناء‭ ‬الطيني‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬جديدة‭ ‬مثل‭ ‬السياحة‭ ‬البيئية‭ ‬أو‭ ‬المتاحف‭ ‬أو‭ ‬مراكز‭ ‬للتكوين،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يعيد‭ ‬الحياة‭ ‬والروح‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭ ‬الفريد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭. ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬أيضًا‭ ‬تطوير‭ ‬دليل‭ ‬وطني‭ ‬للممارسات‭ ‬الجيدة‭ ‬في‭ ‬كفاءة‭ ‬الطاقة‭ ‬بالمباني‭ ‬السكنية،‭ ‬مع‭ ‬تعزيز‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬لدعم‭ ‬الابتكار‭ ‬والتطوير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬
الدكتور مصطفى فوزي، المدير الترابي للوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان (ANDZOA)بزاكورة