موضوع النجاعة الطاقية والتعمير، خاصة في ظل ما تعرفه بعض المناطق من ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة. يبدو في ظاهره تقني، هو في الحقيقة حديث راهن بالنسبة لسكان المناطق الواحية، لا سيما تلك المناطق الصحراوية التي تعيش تقلبات مناخية قاسية، بحرارة مرتفعة في الصيف وبرد قارس في الشتاء.
يتعلق الأمر في جوهره بالعمارة الطينية، التي كانت منذ القدم وسيلة اعتمدها الإنسان الواحي في تناغم وتجانس مع محيطه البيئي. فالعمارة الطينية ليست فقط إرثًا معماريا، بل هي أفق بيئي قائم بذاته، ووعاء لخصائص مناخية منسجمة مع البيئة الصحراوية. إنها رصيد تفاعلي يعكس قدرة الإنسان على التكيف مع المجال، ويمثل مدخلًا بيئيًا متميزًا، بفضل خصائصه الحرارية التي توفر الراحة خلال فصول السنة المختلفة.
العمارة الطينية هي عمارة وثيقة الارتباط بالبيئة، وهي عمارة نظيفة تمتص لكل أجناس التلوث وتستوعب مختلف الشرائح الاجتماعية، من الغني إلى الفقير، وتتماهى مع كل فعل تنموي محلي.
الحديث عن النجاعة الطاقية في البناء، خاصة في المناطق الواحية الحارة، يعيدنا إلى ممارسات قديمة ظلت مطبقة من طرف «المعلمين» أو «الحرفيين الواحيين»، الذين كانوا يستعملون مواد عازلة للحرارة مثل الطين أو الطوب، ويحرصون على توجيه المباني بشكل يقلل من امتصاص الحرارة. كانت المعمارية الواحية تتفتح نحو الداخل، عبر البهو والمراح، مع نوافذ صغيرة على الخارج وأخرى كبيرة في الداخل لتسهيل التهوية.
في العصر الحالي، أصبح من الممكن الاستفادة من الطاقة الشمسية، سواء للإنارة أو التبريد، خاصة أن المغرب بلد مشمس أغلب فصول السنة. كما أصبح العزل الحراري ضرورة تقنية وبيئية، عبر استعمال مواد تمنع انتقال الحرارة من الجدران والأسقف، وهي ما يعرف بـ "Isolation thermique". هذه الممارسات تسهم في تنظيم الحرارة داخل المباني وتقلل من استهلاك الطاقة.
توجيه المباني يلعب أيضًا دورًا مهمًا، إذ يجب الحرص على تقليل اكتساب الحرارة عبر النوافذ، مع اعتماد مواد بناء ذات كتلة حرارية عالية، مثل الطوب أو الحجر. وفي هذا السياق، أذكر أنني التقيت بفريق بحث من المهندسين المعماريين اليابانيين، زاروا قصبة تاوريرت، وأثار إعجابهم التصميم المعماري التقليدي، حتى إن أحدهم عبّر عن رغبته في تجريب هذا النموذج في منطقة باردة، باستخدام نفس المواد.
جانب آخر مهم هو التشجير والتوازن البيئي داخل الواحة، وقد كان متكاملا كمنظومة إيكولوجية متناغمة. أما اليوم، فنلاحظ اختلالات في هذا التوازن، أبرزها تراجع الغطاء النباتي داخل المدن الواحية، وغياب التخطيط في تشجير هذه المدن، حيث تُزرع أشجار النخيل المثمرة أو الأنواع المستوردة مثل "الواشنطونيا"، دون مراعاة وظيفتها البيئية أو الجمالية.
لهذا يجب الاتجاه نحو زراعة أشجار ظل توفر الظل وتساهم في الجمالية الحضرية.
كما يجب تجنب الاعتماد المفرط على الزجاج في المباني، خصوصًا في المدن الواحية، لأنه يؤدي إلى احتباس الحرارة ويجعل الأماكن غير قابلة للسكن خلال فترات الحر الشديد. وإذا اقتضى الأمر استعمال الزجاج، فيجب أن يكون مزدوجًا مع طبقة عازلة.
كما يجب تجنب الاعتماد المفرط على الزجاج في المباني، خصوصًا في المدن الواحية، لأنه يؤدي إلى احتباس الحرارة ويجعل الأماكن غير قابلة للسكن خلال فترات الحر الشديد. وإذا اقتضى الأمر استعمال الزجاج، فيجب أن يكون مزدوجًا مع طبقة عازلة.
من جهة أخرى، لا بد من التأكيد على أهمية إدماج الطاقة الشمسية، خصوصًا وأن المغرب يتمتع بإشعاع شمسي قوي، مما يجعل من الممكن اعتماد هذه التقنية بشكل واسع.
البناء المستدام في الواحات ليس فكرة جديدة، بل هو امتداد لتقليد قديم عاش في تناغم مع البيئة. إلا أن هذا التقليد اليوم يواجه عراقيل قانونية وتقنية.
لكن، يكمن الإشكال في تنزيل هذه النقط، إذ لا يوجد إطار قانوني يعترف بالبناء بالطين، مما يصعب إنجاز تصاميم خاصة بهذا النمط، كما أن الكفاءات التقنية المؤهلة في هذا المجال نادرة. هناك حاجة إلى تكوين مهندسين معماريين وتقنيين متخصصين في البناء بالطين، إلى جانب نشر ثقافة النجاعة الطاقية بين المهنيين والمواطنين، لاننسى غياب دور القطاع البنكي في تمويل ودعم البناء بالطين من اجل تطوير صناعة محلية.
المنطقة الواحية تمتلك رصيدًا عقاريًا مهمًا جدا، لكنه عرضة للإهمال والتفويت، ولهذا ينبغي التفكير في إعادة توظيف البناء الطيني في وظائف جديدة مثل السياحة البيئية أو المتاحف أو مراكز للتكوين، مما قد يعيد الحياة والروح إلى هذا الموروث الفريد من نوعه. ومن المهم أيضًا تطوير دليل وطني للممارسات الجيدة في كفاءة الطاقة بالمباني السكنية، مع تعزيز البحث العلمي لدعم الابتكار والتطوير في هذا المجال.
الدكتور مصطفى فوزي، المدير الترابي للوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان (ANDZOA)بزاكورة