لا تستحضر الحكومة سكان الجبال إلا في موسم البرد القارس من كل سنة، علما أن ساكنة المناطق الجبلية لا تحتاج إلى إحسان ظرفي بتوزيع «بطانية»، ونصب خيمة مستشفى مؤقت، وتوزيع بضع أكياس من الدقيق والزيت على بعض الفئات الهشة، بقدر ما تحتاج إلى تمكينها من الحق في الثروة، ومن الحق في عدالة مجالية، وإنفاق عمومي يراعي خصوصيات أقاليم الجبال من جهة، ويراعي الخصاص المتراكم على مر العقود من جهة ثانية.
نعم، يصعب ترميم جراح ساكنة الجبال بالمغرب من خلال قانون مالي واحد، ولكن لو توفرت الإرادة للسلطة العمومية لطي ملف «سنوات الرصاص الجبلية»، فإنها قد تجعل من اللحظة الحالية لإعداد قانون مالية 2026، مدخلا لحسن النية كعربون على صدق نوايا السلطات العمومية لإنصاف ساكنة المناطق الجبلية. هذا العربون يتجلى في أن تبرمج الحكومة في قانون المالية المقبل الاعتمادات اللازمة لإصلاح وترميم المنشآت الفنية (القناطر) الموجودة بالطرق والمسالك الجبلية.
فحسب المعطيات الرسمية، هناك 6646 قنطرة بالمناطق الجبلية بالمغرب تستوجب التدخل العاجل من طرف السلطة المركزية، وهي قناطر تمثل خطرا على سكان الجبال من جهة، وتزيد من عزلتهم من جهة ثانية، وتحرمهم من التنقل لقضاء أغراضهم التجارية أو الإدارية أو الصحية وغيرها من جهة ثالثة.
وتتوزع مخاطر هذه المنشآت الفنية وفق التصنيف التالي:
أولا: 885 قنطرة متدهورة للغاية.
ثانيا: 2614 قنطرة غاطسة submersible بشكل يجعلها مغمورة بالمياه ولا ينتبه إليها السائقون فتقع فواجع بالأودية.
ثالثا: 110 قنطرة محدودة الحمولة.
رابعا: 3037 قنطرة ضيقة.
أولا: 885 قنطرة متدهورة للغاية.
ثانيا: 2614 قنطرة غاطسة submersible بشكل يجعلها مغمورة بالمياه ولا ينتبه إليها السائقون فتقع فواجع بالأودية.
ثالثا: 110 قنطرة محدودة الحمولة.
رابعا: 3037 قنطرة ضيقة.
وحسب ما توفر من معطيات، فإن إصلاح هذه القناطر وترميمها لجعلها أكثر أمانا، يتطلب غلافا ماليا في حدود 6 ملايير درهم. وإذا علمنا أن سكان الجبال يصل عددهم إلى حوالي 9 ملايين نسمة، فمعنى ذلك أن هذا الغلاف لا يمثل سوى 666 درهما لكل مواطن قاطن بالجبل.
أيعقل أن تتقشف الدولة على ساكنة الجبال بمبلغ 6 ملايير درهم، أي 666 درهم لكل مواطن، علما أن هذه الجبال هي التي تزود المغرب بكل المقومات الاقتصادية، وعلى رأسها الماء والمعادن والأخشاب؟
هل يستساغ أن ترصد الدولة لكل المدن أغلفة للتجديد الحضري وللتنمية الحضرية وتستثني مدن وقرى الجبال؟
هل من المنطقي أن توجه الدولة رادار السياسة العمومية للواجهة المتوسطية وللواجهة الأطلنتية وتشطب على الشريط الجبلي؟
هل من العدل أن تؤمن المناطق الجبلية، بحكم أنها أحواض هجرة نحو الخارج، ثلث حاجيات المغرب من العملة الصعبة (90 في المائة من مغاربة العالم ينتمون لأقاليم جبلية) عبر تحويلات تجاوزت في السنة الماضية 110 مليار درهم، وبدل أن يخصص جزء من هذه الثروة لتنمية مناطق الجبال يتم تجاهل هذه المناطق في التخطيط والبرمجة؟
إن ما وقع في أيت بوكماز بإقليم أزيلال ( وبعيدا عن صراع الأحزاب ومحاولة استغلالها لهذا الحدث وتسخينها للطعارج تحضيرا للانتخابات المقبلة)، ينهض كمعطى جدي لتقعيد مصالحة المغرب مع الجبل، ولمصالحته كذلك مع 27% من سكانه، لم يرتكبوا أي جرم سوى أنهم ولدوا وعاشوا واستقروا بالشريط الجبلي.